إنّ السلامَ في الشرق الأوسط مِن سابع المستحيلات. صحيحٌ أنّ خطابات قادة الدول الكبرى تتركّز على ضرورة إحلال السلام لدى زيارتهم هذا الشرق؛ لكنّهم غافلون أو واهمون أو كاذبون. المطلوب اليوم بحسب الوثائق التي سرّبتها الصحف الغربية لا سيما صحيفة نيويورك تايمز في كانون الأول من العام 2013 تغيير حدود "سايكس بيكو". "الربيع العربي" كان المدخل. المستفيد؟ اسرائيل طبعاً. ومصلحتها تكمن في الحياة وسط دول مفكّكة مقسمة تشوبها الخلافات والنزاعات. توقيع اتفاقيات سلام مع معها ليس إِلَّا عنوان إعلاني ترويجي وخدعة سياسية.
لماذا؟ الهدف هو تفكيك الجيوش العربية أوّلاً؛ السيطرة على المغانم الإقتصادية ثانياً؛ خلق دول "إسلامية" دينية على الحدود مع ايران على غرار "داعش" ثالثاً؛ تأمين أسواق بيع أسلحة لحليفتها أميركا رابعًا؛ النفوذ المطلق في المنطقة خامساً؛ القضاء على ايران سادساً؛ زوال فلسطين سابعاً؛ واللائحة تطول...
فشِل "الربيع العربي"؛ ولكن، لم تمت المؤامرة. مات ملايين العرب؛ دُمِّر البشر والحجر.
مِن العراق في 2003 كان مشروع إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على نار مشتعلة لكن حصل ما لم يكن بالحسبان من مستوى المقاومة هناك، باعتراف وزير الدفاع الأسبق روبرت غيتس في كتاب مذكراته "الواجب: مذكرات وزير في حرب". اشتعل العراق؛ فشل الأميركي. تحوّل العراق وما زال إلى آبار دماء لا تنضب.
اتهم غيتس نائب الرئيس السابق جو بايدن بأنه اتخذ قرارات خاطئة حيال جميع ملفات السياسة الخارجية. لم يندحر مشروع التقسيم. فالمخطط يتنقل من خطة إلى أخرى.
ما يحصل اليوم مع دولة قطر كرة ثلج ستنتقل من نظام خليجي لآخر بحسب المصلحة الإسرائيلية-الأميركية. وهذا ثابت بالوثائق.
زبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي لدى الرئيس الأميركي جيمي كارتر؛ مفكر وخبير في السياسة الخارجية الأميركية وافته المنية منذ أسبوع. مرت وفاته بهدوء ودون صخب إعلامي. هذا الرجل في كتابه "فرصة ثانية"، اتهم جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الإبن بضعف الرؤية الاستراتيجية. فوّتوا الفرصة على أميركا لقيادة العالم بحسب رأيه. ولكن، الرجل تبنّى مخططا لتقسيم الدول العربية على أساس طائفي. حرب خليجية جديدة. هذا ما نُقِل عنه. بحسب رأيه إنها فرصة هامة لأميركا لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. من أشهر أقواله: "سنلعب على وتر الطائفية، فاليوم تنخر الطائفية في الجسد العربي المثقل وتزيده ضعفا يوما بعد آخر".
بعد حرب العراق-ايران؛ اليوم، السعودية-ايران؛ حروب عدّة والآن مصر والسعودية والإمارات والبحرين بمواجهة قطر، والمعطيات تشير إلى انضمام دول أخرى في الحلف ضد الدوحة.
القمة السعودية-الأميركية صعّدت التوتر بين الدول العربية الرافضة للانصياع الأعمى لسياسة و مقررات السعودية. المسألة ليست فقط إسقاط أنظمة. إنها تغيير دول. تقسيم الدول العربية: إنه عنوان الخريطة والخطط التي وضعها الباحث الأميركي-البريطاني برنارد لويس مستشار وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط في عهد جيمي كارتر. مشروعه يقضي بتفكيك الوحدة الدستورية لجميع الدول العربية والاسلامية وتحويلها الى كانتونات عرقية وطائفية ومذهبية.
في العام 1983 وافق الكونغرس الأميركي بجلسة سريّة على مشروع برنارد لويس. تمّ إدراجه كاستراتيجية مستقبلية. يبدو أنه ما كان "مستقبلاً" آنذاك هو "الحاضر" اليوم. مشروع كان قد بدأ سابقا في فلسطين واستمر وانتقل الى لبنان فالخليج وايران وبعده سوريا وعاد الى الخليج. ما يحصل ليس وليد الساعة.
من جهة أخرى، إن الدول التي ساهمت في تغذية الإرهاب التكفيري وكانت لها اليد الطولى في تدمير فلسطين، العراق، سوريا واليمن؛ ستصل عاجلا أم آجلا إلى العجز المطلق سواء أمام متغيّرات الداخل في نظامها، بسبب تبدّل موازين القوى الدولية.
ليست الحرب ما نريده لعالمنا العربي. ولكن التاريخ كتب مراراً أنّ ثمن المواقف ليس دائما حفنة دولارات وهدايا باذخة.