لم يستسلم رئيس تيار المردة ​سليمان فرنجية​ لمحطة الإنتخابات الرئاسية التي اوصلت العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية. لم يسترح في بنشعي، بل كانت تلك المحطة انطلاقة جديدة لفرنجية، الذي لم يهادن العهد الجديد. بالنسبة الى "المردة" فإن معارضة العهد هي مكسب سياسي بدأ يحصده فرنجية بعد شهر من محطة انتخاب الرئيس. مشكلته ليست مع عون بقدر ما هي مع رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​. لم يخسر فرنجية سياسيا، بفضل ثباته الوطني المعروف فيه، فهو لم يبدّل خطاً ولا شعاراً. ولوفاء حلفائه الذين تمسكوا بأولوية تمثيله في الحكومة، وخصوصا حركة "أمل" التي قدّمت من حصتها حقيبة الاشغال العامة والنقل "للمردة" فضل. كان التزام "أمل" تجاه فرنجية عاملا ضمنياً اضافيا لتأزم العلاقات بين الحركة وباسيل.

مضى "البيك" في اندفاعته الجديدة، يجري اللقاءات مع القطاعات النقابية والطالبية والمناصرين ومحازبي "المردة". يعدهم بأن المرحلة المقبلة ستكون أفضل مُستندا الى جملة تطورات داخلية واقليمية تصب في مصلحة "المردة" وحلفائهم. هو يعرف ان تياره مرّ بأصعب فترة سياسية. الآتي أفضل بالنسبة اليه، وسيقود فرنجية من حالة شمالية الى مدى وطني، ومساحة مشرقية يلعب فيها دورا مسيحيا ريادياً. لماذا؟

في السنتين الماضيتين استطاع فرنجية ان يعيد بناء علاقاته الداخلية على اسس وطنية متينة. هو حليف المسلمين الشيعة الاساسي، ويرتبط بعلاقات وطيدة مع المسلمين السُنّة، كما برهنت اللقاءات التي اقيمت له في طرابلس وطبيعة التحالف المتين الدائم مع ركن شمالي اساسي هو رئيس تيار "العزم" نجيب ميقاتي، لتصبح العلاقة ايضا بين فرنجية ورئيس الحكومة سعد الحريري ايجابية وشخصية مميزة لم ينسفها انقلاب الحريري على ترشيح "البيك". كما ان علاقة ممتازة باتت تربط "المردة" بالحزب "التقدمي الاشتراكي". ما يعني ان لا مشكلة لفرنجية مع اي مكون اسلامي في الداخل ولا في الخارج. اما العلاقة مع الاحزاب المسيحية فتقوم على اساس التحالفات الراهنة. المشكلة مع باسيل و"القوات". لكن ماذا عن القوى الاخرى؟ طبيعة الخصومة والسباق السياسي قرّب شخصيات مسيحيّة عدّة من فرنجية. بات بمقدروهم تنظيم تحالف او جبهة عريضة تخلط الاوراق التي كانت مفروزة على اساس تموضعي 8 و 14 اذار. بين "المردة" و"الكتائب" مصلحة متبادلة، هي ذاتها مع الوزير السابق بطرس حرب في البترون، والنائب السابق جبران طوق في بشري، ومع "الكتلة الشعبية" في زحلة وآخرين على مساحة لبنان. علما ان فرنجية يقيم علاقات وديّة قويّة مع شخصيات مسيحيّة تستطيع فرض نفسها رقما صعبا في الانتخابات المقبلة في حال تم اعتماد النسبية، كما الوضع في جونية مع الوزير السابق فريد هيكل الخازن وآخرين.

يعرف فرنجية ان المرحلة المقبلة ستصب في صالحه، لاعتبارات عدة اساسها: "الخصومة التي يزيدها باسيل مع قوى سياسية اساسية في البلد"، على حد قول مقرّبين من "البيك". يعرف أيضا فرنجية أن الازمة السياسية التي يمر بها لبنان الآن بعد وعود قطعها "التيار الوطني الحر" للمواطنين "ستصبّ في صالح خصوم باسيل". المقرّبون من "البيك" يعددون في جلساتهم المكاسب التي يحصدونها "جرّاء سياسة باسيل". يستندون ايضا الى الحلف الوثيق مع جبهة عريضة تمتد من الداخل الى المنطقة. هذه الجبهة تراكم محطات الربح وخصوصاً في سوريا. لا يمكن هنا ابعاد مجريات الميدان عن النتائج السياسية. لم يبتعد فرنجية عن خياراته العروبية يوما. هو يزداد تمسكا بها. يرى في تلك الخيارات مصلحة للمسيحيين في لبنان والمشرق العربي. من هنا يراهن مراقبون على ان زعامة فرنجية ستمتد الى مساحة المشرق. بات المسيحيون بحاجة الى خطاب لا يعيدهم الى "الكانتونات"، كي لا يتحولوا الى اقلية مستضعفة. ما ثبتّه تيار المقاومة العريض بحماية مكونات المنطقة، يؤكد الحاجة الى عناوين الانصهار الوطني لا التقوق في مساحات وكيانات مصطنعة.

يدرك فرنجية حجم المتغيرات. يظهّرها في خطاباته الداخلية أمام مناصريه. اللافت ايضا ان طوني سليمان فرنجية شاب يسهم في رفع رصيد "المردة"، فلا يترك قضية ولا مناسبة الا ويكون حاضرا فيها. هذا يعزز من وضع "المردة" شمالا. فهل تشكل الانتخابات دافعا لفرنجية للانطلاق مجددا نحو تفعيل تياره في كل المناطق؟ في السنوات الماضية كان يقول انه لا يريد استفزاز العونيين، غابت الذريعة الآن. فلا يمكن تبوأ زعامة مسيحية مشرقية من دون توسيع دائرة الاهتمام بالمساحة الوطنية. آن الأوان كي يخاطب فرنجية اللبنانيين بإطلالات اعلامية مدروسة. فهل يوسّع فرنجية عناوين كلمته غدا بذكرى مجزرة اهدن لتلامس توسع تياره؟

المؤكد ان "المردة" استوعب الخسارة الرئاسية، وانطلق بقوة، مستفيدا من العبر وأخطاء الآخرين وصدقية فرنجية عند اللبنانيين والمشرقيين.