ضجت الوسائل الاعلامية بالحديث عن فضيحة جديدة كشفت عن تفاصيلها القناة السابعة العبرية حول "صفقة كانت مخبأة بين الكنيسة الأرثوذكسية وشركة إسرائيلية تضمنت اتفاقا لم يسبق له مثيل"، حيث باعت الكنيسة الأرثوذكسية في القدس حقوقها في ملكية الأراضي في منطقتي الطالبية والرحفية إلى شركة "نايوت" بقيادة عائلة بن ديفيد. لا جديد بشأن الصفقة سوى الاعلان الصريح عن عملية البيع. لكن الارثوذكس يعلمون ان السلطات الاسرائيلية تستخدم الاراضي منذ عقود لقاء عقود إيجار طويلة الأمد.

وكانت الكنيسة قد أجّرت الممتلكات سابقا للشركة إلا أن ما حدث في الصفقة السريّة هو بيع نهائي كامل.

لم تكن الصفقة المشبوهة لتُكشف لولا توجه ممثل البطريركية باعتراض لبلدية القدس بسبب تأخير صدور وثيقة تسجيل.

وتشمل الصفقة بيع قرابة 600 دونم من الأراضي في القدس الغربية وحوالي 1200 وحدة سكنيّة، بما في ذلك فندق إنبال والمؤسسات العامة مثل هيشال شلومو، جزء من متحف إسرائيل، ومركز “بيغن للتراث”، ومسرح خان وامكنة اخرى.

لا يتحمل الارثوذكس مسؤولية تلك الصفقة. وحدها القيادة اليونانية للكنيسة هي التي تقيم علاقات مع سلطات تل ابيب، ويتهمها ابناء الرعية العرب بالتواطؤ مع الاسرائيليين ضد مصالح العرب الارثوذكس، ولتصفية أملاك الطائفة في الاراضي المقدسة. الغريب هنا موافقة السلطة ال​فلسطين​ية على اعمال التصفية المشبوهة من دون تحريك ساكن.

ما يعزز من وجود مخططات للتصفية هو البيع السرّي للاراضي كما حصل بشأن اراضي قيسارية بما تحويه من ثروات و شهادات تاريخية.

لا يجوز اتهام الكنيسة الأرثوذكسية ولا تعميم الاتهام ليطال رجال الكهنوت كلهم حول بيع الاراضي للاسرائيليين، بل حصر المسؤولية بالبطريرك اليوناني كيريوس ثيوفيلوس الذي يمارس سياسة دأب على ممارستها اسلافه من البطاركة والاساقفة اليونانيين طيلة قرون سابقة.

وتثبت هذه التصرّفات التي تقوم بها قيادة الكنيسة في حق الأرض الفلسطينية أن تعريب الكنيسة الأرثوذكسية هو مطلب مُلحّ و"أصبح شأنا وطنيا وليس محض طائفي".

مجرد استعادة نضالات الارثوذكس تاريخيا هو واجب لمعرفة السياسات الاقصائية التي تمت ممارستها منذ ابعاد العرب عن القرار داخل الكنيسة الأرثوذكسية.

يسجّل التاريخ للمسيحيين الارثوذكس خوضهم غمار التحدي للحفاظ على وطنيتهم وعروبتهم. انسجموا مع شعارهم "مستقيمي الرأي" ودفعوا الاثمان الغالية لقاء التزامهم بمبادئهم العربية، فلم يتنكروا لاصولهم العربية التي تعود الى الغساسنة والمناذرة والتغالبة. شكلوا رأس الحربة التي واجهت الصليبيين المستعمرين وغزاة الشرق، وصولا الى مقاومة الاحتلال الاسرائيلي. رحلتهم طويلة يتشرف ويتغنى بها الشرق برمته، بدأت مع اساقفة وبطاركة تعاقبوا على رئاسة اسقفية القدس التي تحولت الى بطريركية. كانوا ملتزمين جدا بإنتمائهم العروبي، الى درجة ان احد البطاركة عام 705 منع الصلاة بأي لغة غير العربية.

أتت الحملة الصليبية ونصّبت اللاتين بطاركة واحتلت اديرة وشتّت شمل البطاركة والاساقفة الارثوذكس العرب نحو القسطنطينية. عام 1534 انتهى عهد البطاركة العرب وبدأ عهد اليونانيين. من هنا اشتد الصراع الطويل الذي لا زلنا نحصد نتائجه حتى الان ابعادا للارثوذكس العرب والوطنيين. تاريخ طويل امتد لعقود من النضال الروحي والسياسي والشعبي. لكن الارثوذكس عوقبوا على التزامهم وثوابتهم، وبسبب انتمائهم العربي الاصيل.

اليوم يصبح بيع الاملاك علنيا يقوم بإعداد صفقاته بطريرك يوناني لا ينتمي للقدس. هذا لا يعني ان الرعية تبيع املاكها، ولا رجال الدين المسيحيين العرب يوافقون على ما يقوم به رأس الكنيسة.

الحل ان تكون الكنيسة الأرثوذكسية تابعة لبطريركيّة الشام، أو ينصّب بطريركا عربيا، كالمطران عطالله حنا الذي يمتلك شعبية عارمة لا تقتصر على الرعية الارثوذكسية، بل تمتد الى كل الطوائف على مساحة الشرق. من دون ذلك ستكرّ عمليات البيع، وتتضاءل اعداد المسيحيين في مهد ديانتهم الى ما دون 2%. انها مصيبة تخطط اسرائيل لفرضها. فهل يتنبه المسيحيون الى احجام ادوارهم العروبية والوطنية المطلوبة؟