فجأة وعلى هامش قمة الـ 20 في هامبورغ - ألمانيا، التقى الرئيسان الروسي بوتين والأميركي ترامب للبحث في الازمة السورية في لقاء كان مقرراً له ان يكون لـ 30د، وامتد الى 150د،

اجتماع لم ينفض قبل أن يتفق الطرفان على وقف إطلاق النار في منطقة الجنوب الغربي السوري، مع اتجاه لديهما ليكون الاتفاق فاتحة تعاون بينهما لحل الازمة السورية برمتها وفقاً للقرار 2254 مع التأكيد على وحدة الدولة السورية وسيادتها وقرارها المستقل.‏

وقبل أن نناقش تنفيذ الاتفاق أو محاولات الالتفاف عليه، وهو أمر لا بد من التحسب له في الحالة السورية التي اعتادت على المناورات الاحتيالية الأميركية التي حاول فيها الأميركي الانقلاب على اتفاق أو الالتفاف على قرار أو تحريف وثيقة ومفهوم، قبل ان نناقش الاحتمالات تلك نرى التوقف عند جوهر الاتفاق وأهميته لأن ذلك يسهل تقدير احتمال تنفيذه من عدمه.‏

فمن حيث الجوهر ورغم ان المعلن من الاتفاق لا زال مقتضباً، وأن هناك محاولات بدأتها أميركا للتظاهر بأنها حققت في الاتفاق أو كسبت منه الشيء الكثير، محاولات يقابلها رفض واستخفاف روسي بتلك المواقف التي ترى فيها روسيا تدخلا أو انتهاكا لحقوق سورية سيادية لا يمكن لأجنبي ان يمسها، كونها ملك حصري للشعب السوري الذي له وحده أن يضع دستوره ويقرر شكل دولته وحكومتها ويختار رئيسا لها، وبالتالي كان منطقيا ان يرد الرئيس بوتين على تيلرسون وزير الخارجية الأميركي متسائلا عما اذا كان هذا الوزير سوريا أم أوكل اليه الشعب السوري حق التحدث عنه، طبعاً كان بوتين يهزأ من قول تيلرسون من « ان الرئيس الأسد لن يكون له في المدى الطويل دور في سورية».‏

لقد وقع الاتفاق الروسي الأميركي على منطقة محددة في الجنوب الغربي السوري ملاصقة للحدود مع الأردن ولخط فصل القوات في الجولان تمتد من السويداء شرقاً الى القنيطرة غرباً مروراً بدرعا في الوسط، منطقة أوسع من منطقة خفض التوتر الرابعة التي تحدث عنها تفاهم آستنه بحيث أضيف اليها كل من السويداء والقنيطرة. وتقرر أن يتم في هذه المنطقة وقف لإطلاق النار من قبل جميع القوى الموجودة فيها بضمان أميركي- روسي -اردني، وبالتالي تكون أميركا والأردن ملزمتين بفرض الاتفاق على المجموعات المسلحة والإرهابية التي تعمل في هذه المنطقة، ما يعني وضع حد لمسلسل الاعتداءات التي انطلقت في الجنوب منذ بدء العدوان على سورية، وبشكل متكرر حاولت فيه الجماعات المسلحة وبدعم إسرائيلي مباشر الوصول الى دمشق أو أقله إنشاء المنطقة الأمنية التي تبتغيها إسرائيل كما واقتطاع المنطقة الجنوبية لتكون مجالا حيويا للأردن (مياه وزراعة )، ولم تكن وثيقة حوران إلا نموذجا من نماذج المشاريع الانفصالية العدوانية تلك، (وثيقة اجهضت ما ان انطلقت).‏

لقد شكلت منطقة الجنوب الغربي السوري على الدوام بوابة خطر رئيسية على سورية طوال العدوان في السنوات السبع الماضية، ومن أجل ذلك حظيت هذه المنطقة باهتمام بالغ من قبل سورية ومعها محور المقاومة، واليوم عندما يتم وقف اطلاق النار فيها وعلى هذا المستوى من الرعاية، انما يسد باب قلق مهم، ما يمكن معسكر الدفاع عن سورية من التوجه الى منطقة يقدر لها ان تكون المنطقة التي يعلن منها النصر النهائي على الإرهاب ورعاته في معسكر العدوان على سورية، انها منطقة الجنوب الشرقي ومنطقة وسط الحدود الشرقية حول معبر البوكمال وامتداد الى دير الزور والسخنة.‏

ان وقف إطلاق النار في منطقة الجنوب الغربي السورية سيتيح فرصة تزخيم العمل العسكري الجذري على جبهات أخرى مع ضمان وضع تلك المنطقة بذاتها، وهنا نفهم كيف ان سورية كانت تعمل في جزء من المنطقة تلك باستراتيجية «القبض والبسط» من اجل استعادة درعا الى كنف الدولة مع حقن الدماء ما أمكن وذلك من خلال الضغط العسكري الذي يعقبه وقف لإطلاق النار ومساعي للمصالحة ثم عودة الى الميدان في حركة متناوبة بين ضغط وبسط توفر لسورية فرص تحقيق الإنجاز بأقل قدر من الخسائر والتضحيات.‏

ومع هذه الإيجابية المهمة لاتفاق وقف النار في منطقة حدودية حساسة، فإننا نرى أن في الاتفاق الأميركي الروسي القائم على حيز جغرافي محدد في سورية دلالات هامة أخرى لا بد من التوقف عندها نذكر منها:‏

1. انتقال أميركا في الشأن السوري وفي العلاقة مع روسيا من مرحلة التصعيد والتهديد والتلويح بالعمل العسكري، الى مرحلة القبول بالواقع الذي انتجته انتصارات الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الميدان، مع القبول بالرؤية الروسية للحل وهي رؤية متوافقة مع الرؤية السورية لحل الازمة. ما يعني انخراط أميركي أو التهيؤ للاشتراك في مسيرة البحث عن حل سلمي للأزمة السورية حل يحترم إرادة الشعب السوري دون ان يملى عليه شيء من الخارج.‏

2. فتح الاتفاق باباً لأميركا جعلها تشعر بالشراكة بالحل وهو ما يحفظ لها ماء الوجه بعد الفشل، ويجعلها تمتنع عن عرقلة المساعي في آستنه أو جنيف الآيلة للبحث عن الحل وهنا نذكّر بالقاعدة بأن النصر المستقر هو الهزيمة التي تنزلها بالعدو ويكون قادرا على احتمالها وتقبلها.‏

3. تحييد كيانين سياسيين على الحدود الجنوبية السورية، هما إسرائيل والأردن، حيث انه ومع دخول وقف إطلاق النار في المنطقة حيز التنفيذ وبالمعايير والمفهوم المنوه عنه، لن يكون هناك فعالية للمساعدات التي تقدمها هاتين الدولتين للجماعات الإرهابية والمسلحة.‏

4. فتح الباب أمام المصالحات في المنطقة، خاصة تلك التي لم يدخلها الجيش العربي السوري بعد في درعا ومحيطها لإعادتها الى كنف الدولة مع إبعاد الخطر كلياً عن مناطق لم ينل الإرهاب منها وبقيت محتضنة من قبل الشرعية الوطنية كمدينة السويداء مثلا.‏

لكن ومع هذه الإيجابيات يبقى هناك مخاوف وهواجس لابد من مواجهتها، عندما يكون الأميركي طرفا في عقد أو اتفاق، ويأتي في طليعتها مسألة وجود جبهة النصرة الإرهابية التي تنتشر في تلك المنطقة مع سؤال يدور حول وضعها وكيف سيكون التعاطي معها وهل الاتفاق سيمنحها حصانة؟ ومنها أيضا سؤال عن دور قوات أميركية أو وحدات عسكرية أخرى من معسكر العدوان في تلك المنطقة، ومنها السؤال أيضا عن رسم خطوط تمثل خطوط تماس أو فصل تفصل المنطقة عن الوسط السوري ما يفتح شهية البعض للقول إن في الامر تمهيد لإقامة المنطقة الأمنية التي تريدها إسرائيل خارج السيطرة والسيادة السورية.‏

أسئلة مشروعة تطرح وتثير الهواجس المبررة، لكننا نرد عليها بالعودة الى المبدأ الأساس الذي اعتمدته سورية ومحور المقاومة وبدعم من الحليف الروسي، مبدأ يقوم على قاعدة وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة على كل أراضيها وهذا ما أكد عليه في الاتفاق الذي أعلن جزء منه الوزير الأردني مؤكدا بوضوح كلّي على مبادئ وحدة سورية وسيادتها واستقلالها وعدم الاعتراف وعدم القبول بنشوء أي واقع ميداني يغاير ذلك، وبالتالي كل تفصيل تنفيذي يتعارض من تلك المبادئ لن يكون مقبولا ولن تعمل الحكومة السورية به مهما كان حجمه وأياً يكن القائل أو العامل.‏

ومع هذا نرى ان الضمان الأهم يتمثل في قوة الجيش العربي السوري ومحور المقاومة والضمانة الروسية حتما، وبالتالي فإن أي جنوح وانحراف في تطبيق هذا الاتفاق سيعني بكل بساطة عودة القتال الى المنطقة بعد ان يكون قد تم تطهير الحدود الشرقية مع العراق وعندها سيكون القتال هذه المرة أكثر فعالية مع عودة القوة مسلحة بإنجازات جديدة ومدد أكبر.‏

ان القاعدة الذهبية في الحروب تقول لا تسأل عما سيعطى لك، بل انظر في قدرتك وقل كم أنا قادر على الاخذ والانتزاع، وسورية ومحورها هم من القوة اليوم ما يجعلهم مطمئنين الى النتائج مهما كانت الاتفاقات الدولية، وهذا ما عبر عنه الرئيس بوتين في رده على تيلرسون بقوله «الشعب السوري هو من يقرر لنفسه».‏