انشغل العالم كما انشغلت معظم وسائل الإعلام العربي والغربي في تغطية الحدث الأبرز في مسار أحداث العراق وهو نجاح الجيش العراقي والحشد الشعبي في دحر تنظيم داعش من مدينة الموصل التي اعتبرت أهم معقل لما سمي دولة الخلافة المزعومة وتحريرها بالكامل من فلول الإرهاب وذلك بعد ثلاثة أعوام من إحكام سيطرة تنظيم داعش على المدينة وإطلاق زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي خطبته الشهيرة من على منبر مسجد النوري التاريخي معلناً عن قيام دولة الخلافة الإسلامية واعتماد مدينة الموصل عاصمة للدولة التنظيم.

إذاً سقطت دولة الخلافة المزعومة وحررت الموصل ما يعني أيضاً سقوط المشروع الأميركي الهادف إلى قيام شرق أوسط جديد بخرائط جغرافية مستحدثة قائمة على إنشاء دويلات جديدة مذهبية وإثنية وعرقية وقبلية متناحرة متقاتلة فيما بينها بهدف تنفيذ مخطط تفتيت الوطن العربي بدءاً من العراق وسورية واليمن وليبيا وصولا إلى دول الخليج النفطية وكل ذلك خدمة لمصلحة الكيان الصهيوني وضمان أمن إسرائيل.

كثيرون هم الذين اختلفوا في تفسير حدث تحرير الموصل فالبعض رأى أن تحرير الموصل جاء نتيجة توافق دولي على ضرورة إنهاء دور تنظيم داعش أقله من الموصل في العراق، وذهب هذا البعض للإشارة إلى أن ما حصل في الموصل لا يتعدى كونه عملية نقل مقاتلي داعش من الموصل إلى سورية وليبيا ودول أخرى، ويعول بذلك على اشتراك العديد من طائرات الهيليكوبتر إضافة لعربات نقل الجنود التابعة للقوات الأميركية الموجودة في العراق في إيجاد ممرات جوية وبرية آمنة بهدف تسهيل عملية نقل قادة ومقاتلي الإرهاب ليتبخر بذلك الآلاف من أسرى وجثث ومقاتلي وقادة تنظيم داعش الإرهابي.

أما البعض الآخر يعزو تحرير الموصل إلى التضحيات الجسام التي قدمها الجيش العراقي كما اعتبره بمنزلة الانجاز الكبير والانتصار الإستراتيجي الذي صب في مصلحة محور المقاومة الممتد من إيران مرورا بالعراق وسورية وحزب اللـه في لبنان، كما أن هذا الانتصار استطاع توجيه ضربة قاسية إلى المشروع الأميركي الهادف إلى إقامة شرق أوسط جديد تماما كما حصل في لبنان في عام 2006 حين تمكنت المقاومة في لبنان من توجيه ضربة قاصمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد بعد تسجيل انتصار تاريخي وإستراتيجي على العدو الإسرائيلي لم تزل نتائجه متفاعلة وحاضرة حتى يومنا هذا.

وبين هذا الرأي أو ذاك المؤكد هو أن المشروع الأميركي في المنطقة آخذ في التراجع والتفكك وذلك نتيجة تراكم انتصارات محور المقاومة وصمود سورية الأسطوري إضافة للدعم الروسي، ما خلق واقعاً دولياً وإقليمياً جديداً كفيلاً بإجبار أميركا وإسرائيل على التعامل معه وعلى أسس تعاظم قدرة محور المقاومة الذي تقوده سورية وهذا ما يجعل العدو الإسرائيلي وأميركا تتحسبان لأي عمل في المنطقة يكون الهدف منه فرض واقع عسكري أو سياسي في المنطقة من شأنه تأمين مصالح أميركا وحماية إسرائيل لأن المواجهة مع محور المقاومة باتت مكلفة ولا قدرة للعدو الإسرائيلي وأميركا على تحمل نتائج أي مغامرة عسكرية أو سياسية وذلك بعد الاطلاع على دراسات تقارير موثقة من كبار المستشارين في مراكز الأبحاث الإستراتيجية للسياسات الخارجية الأميركية.

وبين الموصل والأقصى تتبلور يوماً بعد يوم إنجازات المقاومة الرافضة لكل أشكال التطبيع مع العدو الإسرائيلي ولمبادرات عربية ثبت فشلها وعقمها لأنها تنحو نحو الاستسلام في تثبيت الاحتلال الإسرائيلي للمقدسات الإسلامية والمسيحية الفلسطينية تمهيداً لطمس القضية الفلسطينية برمتها.

وأمام انسداد أفق المستقبل الفلسطيني نتيجة التواطؤ والتخاذل، جاءت العملية الاستشهادية البطولية لشبان من فلسطينيي 1948 يحملون الهوية الإسرائيلية وينتمون إلى أسرة واحدة لتزيد من تراكم انجازات محور المقاومة الذي تقوده سورية.

إن العملية الاستشهادية في باحة الأقصى وقتل اثنين من جنود العدو الإسرائيلي بعد الاشتباك المسلح بين شباب الجبارين وجنود العدو لهي عملية نوعية إستراتيجية بكل المقاييس لأنها أسست لمرحلة جديدة من جيل الجبارين المقاوم لكل مشاريع التقسيم والتفتيت وتهويد القدس ولا غلو في القول إن العملية الاستشهادية في باحة الأقصى لن تكون الأخيرة وإن الساحة الفلسطينية ستشهد المزيد من العمليات الاستشهادية أكثر تنظيماً وأكثر فاعلية وإن القادم من الأيام سيكون شاهدا على ذلك.

إن ما حصل في باحة الأقصى كشف الزيف والتخاذل الناتج عن الصمت العربي المريب الذي أعقب قرار العدو الإسرائيلي بإقفال أحد أهم المقدسات الإسلامية ومنع رفع الأذان وإقامة الصلاة فيه وهو المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين.

بقى أن نقول إن محور المقاومة الذي تقوده سورية العروبة هو الأمل الوحيد الذي يحدونا والوسيلة الناجعة لإفشال كل مشاريع الأعداء، القادر على تحقيق آمال شعوب الأمة العربية.