عادت ​سلسلة الرتب والرواتب​ الى الحياة بفعل الاتفاق السياسي الذي شق طريقه لدى الاحزاب والقوى السياسية، ومنها الى ​مجلس النواب​. ولكن مع احياء السلسلة، تم احياء "مصيبة" كبيرة تجمع اللبنانيين وتدمع العيون، وهي تتعلق بالهدر والفساد. المؤلم في الامر ان الاتهامات التي ساقها المسؤولون السياسيون بالمطلق وابرزوا فيها قضايا وملفات تفوح برائحة هدر الاموال، ارادوا منها استمالة المواطنين واظهار انهم يدافعون عن السلسلة، فيما الواقع كشف بؤراً من الفساد لا يمكن القضاء على رائحتها او مفاعيلها.

بات اللبنانيون يعلمون، بشكل رسمي، بعد ان علموا لسنوات وسنوات بشكل غير رسمي، ان هناك مزاريب هدر للاموال تصب في اماكن لا يستفيد منها الا حفنة قليلة من المسؤولين، وبدل ان يتم "فتح الحساب" والوصول الى حل جذري يضبط المزاريب بشكل نهائي، كان الحل اعتماد الطريقة اللبنانية، وفي هذا الحال، الابقاء على الهدر انما محاولة الايحاء بضبطه بدل ان يكون مفتوحاً، وذلك في سبيل المواطن وتحسين طريقة عيشه.

في الواقع، لن يصل المواطن الى حقه في هذا المجال، فإقرار السلسلة يبقى ناقصاً اياً كانت المبالغ اضافية التي ستصل الى جيب اللبناني، فهي وباعتراف الجميع وادراك المواطن نفسه، سيؤول قسم منها الى جيوب المستفيدين من بعض المسؤولين، وسيدفع الشعب حتماً الضريبة لتمويل السلسلة فيما كان يجب ان يحصل على حقوقه من خلال سلسلة اكثر انصافاً ودون ان يدفع قرشاً واحداً لان من سرق المليارات، كان عليه ان يردها وكان اليوم الوقت المناسب لذلك.

المؤلم في الموضوع ان الكلام والصراخ يتعالى من قبل المسؤولين من اجل الدفاع عن حق المواطن، فيما يتناسى هؤلاء حق اللبناني في استعادة ما سرق منه، وبدل ذلك تم العمل على "تمنينه" بأن ما سيحصل هو وضع سقف للسرقة، لا القضاء عليها، في خطوة تعبّر عن مدى "شهامة" المسؤولين.

صحيح ان اقرار السلسلة وابصار ​الموازنة​ النور بعد سنوات طويلة من فقدانها، يعتبر خطوة ايجابية، ولكن وهجها ومفعولها يخفّان حتماً عندما لا تقترن بتدابير من شأنها اراحة الناس وطمأنتهم بأن اموالهم لن تذهب الى المخازن بل الى الخزينة العامة. لقد قبِل اللبنانيون بطي صفحة الماضي كشرط اساسي للبدء بصفحة جديدة، ولكن من غير المقبول الاعلان عن اغلاق صفحة فيما الحقيقة هي ان الماضي بقي على حاله انما اضيفت اليه بعض العمليات التجميلية الخفيفة. ما شاهدناه وسمعناه يؤكد ويشرح كيف يتحكم البعض بمصير المواطنين، ومن الصعب جداً سماع جندي في الجيش اللبناني او متقاعد من السلك العسكري او موظف في الدولة احيل الى التقاعد يسأل عن مصير السلسلة وما اذا اقرّت قبل ان "يعضّ على الجرح والالم" حين يعرف ان المبلغ الذي سيحصل عليه لم يكن على قدر سنوات الانتظار، ولن يغيّر من طريقة عيشه لان اصحاب الاموال "يعرفون من اين تؤكل الكتف" وسيعمدون الى افراغ الجيوب قبل ان تصل اليها المبالغ القليلة.

قد يرى البعض في هذا الرأي موقفاً تشاؤمياً، وهو على حق، انما وللاسف هذا هو الواقع الذي نعيشه والذي يمنع الوصول الى حلول منطقية ويفرض في كل مرة، سنة بعد الاخرى، حلولاً "لبنانية" تقوم على ارضاء الجميع (الا المواطن في هذا السياق)، ودون اي مؤشر يشي بأن العقلية قد تتغيّر نحو الافضل لوضع الامور في نصابها.

ويبقى الامل في ان يثبت المسؤولون ان هذا الكلام ليس صحيحاً، وان يعمدوا الى مفاجأة الجميع بسلسلة قرارات عمليّة يتم تنفيذها سريعاً لاحداث تغيير حقيقي في طريقة نظرة المواطن الى المسؤولين والى مستقبله في هذا البلد الذي يقاتل فيه كل يوم من اجل البقاء.