سلسلة الرتب والرواتب حق، ولكن هناك عواقب، هذه هي حال الراي الاقتصادي تجاه موضوع اقرارها في ​المجلس النيابي​، ما يدل على انه لا يوجد رؤية اقتصادية موحّدة تجاهها. بين التهليل والحديث عن ضخ سيولة في السوق وتحسين الوضع الاجتماعي لموظفي ​القطاع العام​، بالمقابل هناك تخوّف من التضخّم ومن غلاء الاسعار والخوف على ​الليرة اللبنانية​.

اذا بعد 5 سنوات من الدراسة والاخذ والرد بين ​الهيئات الاقتصادية​ والهيئات العمالية، تم اقرار اغلب بنود سلسلة الرتب والرواتب في الجلسة التشريعية امس، بإنتظار اقرار الموارد والاصلاحات في جلسة اليوم.

السلسة حق ولكن؟

الخبير الإقتصادي البروفسور ​جاسم عجاقة​ اشار في حديث الى "النشرة" الى ان ​مجلس النواب​ اعطى الحق لأصحابه، والسلسلة حق منذ العام 2012 للموظفين والعسكريين والمتقاعدين، وحتى يمكن القول انه لم يتم اعطاءهم الحق بالكامل، ولكن المشكلة انه لا يوجد المال الكافي لتغطيتها. واعتبر ان تقديم مشروع السلسلة بشكل منفصل عن الموازنة ليس بريئًا، ويحمل في خفاياه طمس حقيقة العجز الذي ينتج عن الصرف، موضحا ان وزير المال ​علي حسن خليل​ كان اعلن انه اذا لم تقر الموازنة سيكون هناك صرف للسلسلة من خلال اعتمادات من خارجها، ما يعني انه منتصف العام 2018 سيصبح العجز 7 مليار دولار، ما يعني ان ​الدين العام​ سيرتفع الى 84 مليار دولار، وحتى العام 2020 سيصل العجز الى 100 مليار دولار، مع الاشارة الى ان مشروع الموازنة الذي تقدمت به المالية يشير الى وجود عجز بقيمة 4.8 مليار دولار، دون ضم السلسلة او خطة الكهرباء اليها، فهما يكلفان مليارين و200 مليون دولار ما يوصلنا الى عجز بقيمة 7 مليار دولار سنويا.

ورأى أنه بحال تم اقرار ​الضرائب​ ورفع ضريبة الـTVA ستقع الكارثة الكبيرة، كما ان ضخ الف و800 مليار ليرة في السوق سيرفع الطلب، وبالتالي سترتفع الاسعار مما سيؤدي الى زيادة التضخم، والسؤال هو من سيعمل على المراقبة، خصوصًا وان وزارة الاقتصاد لا يزيد عدد مراقبيها عن 140 شخصا، لافتا الى ان المعدل الوسطي لارتفاع الاسعار هو بين 10 و15 بالمئة، وفي بعض الحالات سيصل الى 50 بالمئة اذا اصابت الزيادة ​البنزين​ و​المازوت​، ولن يسلم تقريبًا اي قطاع لان هاتين المادتين تستخدمان في القطاعات كافة.

مدير قسم البحوث والدراسات الاقتصادية في مجموعة ​بنك بيبلوس​ ​نسيب غبريل​ أسف من جهته في حديث الى "النشرة"، لانه بالرغم من اقرار السلسلة لا يوجد محاولة لايجاد الارقام الحقيقية لها على المديين المتوسط والبعيد لها، كما انه من المؤكد انها سترفع العجز في الموازنة مع وجود صعوبة في تقديره لانه ليس مبنيا على دراسة موضوعية علمية، بل على ارقام تقريبية وتحليلات، لا سيما واننا اصبحنا اليوم في منتصف تموز ولم نرَ اي رقم رسمي ولا نعرف اداء المالية العامة في اول 6 اشهر من السنة، وهذا امر غريب، واليوم نحن نحمل الخزينة عبئا جديدا. مؤكدا ان السلسلة حق للناس المنتجين في القطاع العام.

ورأى ان فصل السلسلة عن الموازنة سيؤثر على الثقة بالدولة، واعتبر ان قرار اقرار السلسلة اليوم هو انتخابي وليس لمصلحة المواطنين، متسائلا ما الفرق بين اليوم وحين تمت دراستها منذ 3 سنوات؟ الانتخابات هي الفرق الوحيد، خصوصًا مع انعدام رؤية متكاملة وعدم تنفيذ اصلاحات ادارية، كما اننا نملك فائضا مستفحلا من الموظفين في الدولة، مع وجود عدد كبير غير منتج يأخذ راتبًا من دون الحضور الى العمل. ولفت الى أن الاجدى هو اجراء اصلاح اداري وتفعيل التقاعد المبكر للموظفين غير المنتجين، واعطاء السلسلة للموظف المنتج. وإذ أضاء على التوظيف العشوائي من خلال التعاقد، اقترح توقيفه وتجميع الوظائف وتوزيع المسؤوليات كما يحصل في ​القطاع الخاص​. ووضع توصيف وظيفي لكل وظيفة في الدولة، والعمل بنظام تقييم الاداء.

العواقب والحلول

البروفسور عجاقة اشار الى ان المشكلة الاساس في موضوع السلسلة ان ضخ الاموال سيؤدي الى زيادة الطلب على الليرة اللبنانية، مما سيؤدي الى كلفة اضافية على ​مصرف لبنان​، وتابع قائلا: "نحن في بلد مستهلك من الخارج، ما يعني ان الطلب على البضائع الاجنبية سيزيد مع تحويل الأموال الى الخارج، وسيترافق مع زيادة العجز في الميزان التجاري، ما يعني نقص في ميزان المدفوعات، وكل هذا الموضوع سببه عدم التخطيط الجيد لتمويل السلسلة".

واقترح عجاقة بالمقابل العمل على ضبط موضوع التهرب الضريبي الذي يقارب ما بين 2.5 الى 5 مليار دولار سنويا في (المرفأ، المطار، نقل الاموال دون علم الدولة، التخمين العقاري، وعدم التصريح عن الـTVA وغيرها)، كما اننا نخسر من عدم تحصيل الاموال من الاملاك البحرية والنهرية قرابة مليار دولار عبر 493 الف مترا مربعا مسيطر عليها من قبل المحسوبيات، واذا تم تاجير المتر في السنة بـ200 دولار نستطيع تأمين ايراد بقيمة مليار دولار.

ولفت الى ان قيمة الاجور والتعويضات هي 4 مليار دولار، وقد تم اضافة 1.2 مليار دولار عبر السلسلة، ما يعني الى ان قيمة الاجور والتعويضات للموظفين والعسكريين سيصل الى 5.2 مليار دولار من اصل 9 مليار دولار مدخول الدولة، أي ان 60 بالمئة من مصروفها هو للاجور، داعيا في السياق الى وقف التوظيف خلال عدد من السنوات للسيطرة على كتلة الاجور، لان الموظفين سيطالبون بعد 3 سنوات بزيادة بسبب فقدان العملة لقيمتها، معتبرا ان هذه الحلول يمكن ان تؤدي الى لجم المشكلة.

بالمقابل اعتبر غبريل ان لا خوف على الليرة اللبنانية وعلى ثبات صرفها، لان زيادة الطلب سيريح الليرة، كما ان تثبيت سعر صرفها مرتبط بالثقة، وهذا الموضوع لم يتغير رغم كل الخضّات السياسية والامنية التي مرت على لبنان. ورأى ان طريقة التعاطي مع تغطية كلفة السلسلة هي طريقة حسابيّة عبر ايجاد مداخل للمصاريف، وليست خطة او نظرة اقتصادية طويلة الامد، مشددا في السياق على ان موضوع الضرائب مرفوض جملة وتفصيلا، وقبل التفكير بفرض ضرائب جديدة، يجب مكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية وتطبيقها على كافة الاراضي اللبنانية، وهذه الاجراءات يمكن ادخال مليار دولار اضافي. واشار الى ان زيادة الضرائب مضرة جدا بصورة لبنان، وبواردات المالية العامة، لانها ستؤثر سلبا على القطاعات الانتاجية، مما يؤدي الى تقليل المردود وهذه الامور تمت تجربتها في عدد من الدول واعطت نتائج سلبية، لاننا بحاجة الى تحفيذ القطاع الخاص لتحسين النمو الذي لم يتخطَّ الـ1 بالمئة في اول 6 اشهر من السنة. كما انه لا يوجد شيء اسمه ضرائب لا تطال الفقراء.

واوضح ان التضخم بدأ منذ بدء التداول بموضوع السلسلة في الحقل العام عام 2012، وارتفعت الاسعار والاقساط المدرسية، واليوم سيكون هناك ضغوط تضخميّة اضافية، مع الاشارة الى ان الوضع الاقتصادي لم يتحرك بعد الانفراج السياسي، والتضخم لا يفرق بين رب عمل او عامل، والضرائب على الودائع تؤثر على المتقاعدين الذين يعيشون على الفائدة من مدخراتهم، ورأى اننا امام وضع غير واضح وغير شفّاف وهو ضبابي لجهة كيفيّة التأثير على ​الاقتصاد اللبناني​، ولافتا الى ان الموظف في الدولة هو ضحيّة كما كل اللبنانيين، وكان يجب ان تكون الاجراءات مدروسة اكثر قبل اقرار السلسلة.

اجتمعت الآراء الاقتصادية على الضرر الّتي ستتسبّب به سلسلة الرواتب بسبب عدم وجود رغبة لدى السياسيين بوقف الفساد والهدر، والاعتماد على رفع الضرائب لتمويلها من جيوب الناس، ممّا يضع النظام الاقتصادي في لبنان على هاوية اجتماعيّة اذا لم نقل أن كارثة تنتظر ​الشعب اللبناني​. فهل يكون هذا دافعًا لتحرّك الشارع ضد النظام الفاسد والمفسدين؟!.