مجدّداً خرج رئيس الحكومة ال​لبنان​ية ​سعد الحريري​ عازفاً على وتر رفض التنسيق مع سورية، وهذه المرة من باب الحديث عن ​معركة عرسال​ المرتقبة. وهذا الموقف يندرج في سياق مواصلة السياسة العدائية تجاه دمشق وحكومتها. وفي الإطار عينه جاءت مواقف وزير التيار الأزرق ​معين المرعبي​ الذي تذرّع برفض التنسيق مع ​الحكومة السورية​ بمسألة النازحين، تحت ستار عدم إعطاء الشرعية للنظام السوري، على حدّ قوله.

وبات واضحاً من خلال تصريحات مسؤولي «المستقبل» بدءاً من رأس هرمه سعد الحريري مروراً بالوزير المرعبي، وصولاً الى باقي مسؤولي التيار أنهم يغرّدون خارج السرب في موضوع العلاقة مع سورية، خصوصاً في ظلّ المعلومات الصادرة عن أكثر من جهة دبلوماسية، والتي تشير إلى سعي دول غربية عدة وفي مقدّمها ​فرنسا​ وألمانيا، من أجل استعادة تمثيلها الدبلوماسي في سورية، الى جانب التنسيق الأمني الغربي مع سورية في مسألة مكافحة ​الإرهاب​ في ​أوروبا​، حيث لعبت دمشق دوراً بارزاً بتزويد عدد من الدول بمعلومات عن مواطنيها المنضوين ضمن التنظيمات الإرهابية، الذين كانوا يقاتلون على أراضيها قبل عودتهم الى بلادهم. ومن هنا تأتي أهمية دور دمشق على صعيد المساهمة في محاربة الإرهاب ليس فقط على أراضيها بل في أوروبا أيضاً.

بناء على ما سبق، بات واضحاً أنّ رئيس حكومة لبنان المفترض أنه يعلن مواقفه من خلفيات وطنية سياسية، بعيداً عن الحسابات والمواقف التي تعبّر عن وجهة نظر فريق سياسي معيّن، لا يزال يصرّ على انتهاج سياسة الهروب الى الأمام في مسألة العلاقة مع سورية، تارة في ملف النازحين، وتارة أخرى من خلال الحديث عن معركة عرسال، لكن مَن تابع عملية عودة جزء من النازحين السوريين من مخيمات عرسال الى الداخل السوري، يعلم جيداً أنّ هناك تنسيقاً قائماً بين الجيشين اللبناني والسوري، كذلك تلعب المقاومة المنتشرة في الجانب السوري من الحدود دوراً في هذا السياق بهدف تأمين عودة النازحين الى المناطق الآمنة، ومنع استخدامهم من قبل التنظيمات الإرهابية كورقة ضغط على لبنان وجيشه مع انطلاق المعركة المرتقبة في الجرود، فالتنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري أمر لا مفرّ منه، فهما يواجهان عدواً إرهابياً واحداً، يهدّد أمن الدولتين واستقرارهما.

أخيراً لا بدّ من الإشارة الى أنّ التطورات الحاصلة على الصعيد الميداني لا سيما بعد إنجاز تحرير ​الموصل​، باتت واضحة أنها تصبّ في مصلحة محور المقاومة والجيشين اللبناني والسوري، ما يعني أنّ دمشق ستكون لاعباً أساسياً لا سيما في مسألة التصدي للخطر الإرهابي، الذي بات شبحه يخيّم على أوروبا والغرب، الذي بدأ يسعى الى فتح قنوات اتصال وتواصل دبلوماسية مع دمشق، علماً أنّ التنسيق الأمني والاستخباري لم ينقطع يوماً. وهذا خير دليل على دور سورية المحوري، ومن هنا بات من الضروري على رئيس حكومة لبنان الذي يواجه بلده خطر الإرهاب عند حدوده الشرقية، أن يخرج من الخطاب الضيّق المحكوم بتحالفه السياسي مع السعودية التي تدور في الفلك الأميركي، وأن يستكمل ما بدأه من عقلانية سياسية من خلال السير بالتسوية التي أوصلت العماد ميشال عون إلى ​رئاسة الجمهورية​، ومن ثم تشكيل حكومة استعادة الثقة، الأمر الذي أخرج البلد من عنق الأزمة. فالمرحلة تتطلب الشعور بحجم المسؤولية في ظلّ الأخطار التي تتهدّد لبنان وسورية في آن معاً، خصوصاً أنّ الحريري لم يعد الى لبنان من مغتربه الإرادي عبر ​مطار دمشق​، كما أعلن مع بداية ​الأزمة السورية​، لأنّ سورية الدولة بقيادة الرئيس ​بشار الأسد​ صمدت مع جيشها وشعبها في مواجهة المخطط الإرهابي، والحريري يدرك جيداً أنه سيزور سورية المنتصرة عاجلاً أم آجلاً، وهذا ما يستدعي منه كرئيس حكومة لبنان المرتبط بسورية قومياً وتاريخياً وجغرافياً التخلي عن سياسة الهروب الى الأمام.