لماذا الرقعة السوداء التي تقطر دماً نحو القارة السمراء؟

يمكن للمرء أن يتطلّع نحو إفريقيا مع أنّ الانتباه العالمي والعربي والإسلامي ما زال مركّزاً بشكلٍ دقيق ومستمر على بلاد الشام. نعزو السبب في ذلك إلى أمرين أوّلهما أنّ أخباراً تملأ صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بأنّ مقاتلي «داعش» أو بقاياها يختفون من سوريا والعراق كما الملح الذائب إذ تنقلهم طائرات مجهولة إلى جهات مجهولة. الأمر الثاني، ففي الوجهة التي لمّحت إليها «داعش» عبر إعلامها رسمياً بأنّها إفريقيا من أبواب ليبيا شمال المتوسط هو المقصد.

لماذا إفريقيا أوّلاً؟

لأنّها بلاد المناجم والمزارع و«ممالك» الغبار والحر ومساحة استراتيجية هائلة وغنية ومرموقة تاريخياً بأهميتها التجارية. ولأنّه لا بدّ من شكّ الرمح في رأسها قبل أن تشكّ هي قلم الرصاص جيّداً في شعرها الكث وتحكّ رأسها. كانت موزّعة بين بريطانيا وفرنسا في العصر الأوروبي وكان التنافس وقل الصراع يقيم فوقها منذ انتهاء الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا التي لم يكن يعنيها سوى سحب الأغصان الشيوعية المتكاثرة من لبّ الشجرة اليابسة في بلاد تصطف أكواخها مثل خلايا النمل ينامون فوق الحصير وأيديهم وسائد. صحيح أن هذا الصراع قد تحوّل ضبابياً بعد انهيار المنظومة السوفييتية، لكنّ الفراغ والزمن يختلف تماماً بين الدول والأفراد. فبينما أطلّت الصين برأسها منافساً اقتصادياً لأمريكا مكان روسيا، استمرت إفريقيا في زراعة حقول الذرة وفرك أسنانها بالرماد والاسترخاء على رائحة الذهب في الليل إذ يتسرّب الدخان منها تحت السقوف المعشوشبة إذ يولد الأطفال سرّاً في الظلام.

ولأنّ إفريقيا الرصيد المؤجّل للحاجة الدولية إلى النفط بكونها منجم الدنيا الاستراتيجي في الطاقة والمواد الأوّلية للعالم خلافاً لما يروجه اللسان العالمي بالاكتفاء الذاتي والاستغناء عن خيرات الغير. ليس أبقى من إفريقيا البلاد الشاسعة العذراء التي تغطّي الندوب رأسها الحليق، وتغطّي قشرة أرضها ثروات طبيعية عذراء في نقطة متوسطة بين قارات العالم تطلّ منها لتسلك طرق الملاحة الدولية. يمكن تحديد بعض المواقع في صراع الطاقة ومعالمها مثل ليبيا وقبلها السودان والجزائر ليسرح النظر نحو نيجيريا وتشاد والغابون وغيرها.

ولماذا إفريقيا ثانياً؟

لأنّ مصانع السلاح ربّما تعبت وملّ أصحابها من ركام الحروب والقتال والإعياء في أرض الشام والعراق، ولأنّ الإرهاب وقف على شاطئ المتوسّط في ليبيا شاهراً سيفه نحو الشمال متوعّداً روما، لذا قد يمكن التفكير في تجديد تجارة السلاح وتكديسه واستعماله زوراً باسم الإرهاب أو باسم الدين وأحقاد التاريخ وخدمة له حتّى ولو صار التشويه والقتل البارد والتكفير سمة القرن الواحد والعشرين. لا بدّ إذاً من زرع الأرض بالهواجس الأمنية كي يتحرّك الناس في بلاد لطالما وجب على المولود فيها أن يحمل تصريحاً كي يمشي في أرضه. هي مظاهر ليست آنية. الأمن وتصدير السلاح إلى هناك على قدمٍ وساق منذ سقوط البرجين أيضاً في سبتمبر/ أيلول سبتمبر 2001 ذلك التاريخ الرهيب الذي فلش فوق الكرة ملامح استراتيجية قادت وتقود العالم نحو مقاتلة الإرهاب حتّى في إفريقيا.

صحيح أنّ الأساطيل البحرية والجوية والجنود الأمريكيين مقيمون في شمالي إفريقيا وغربها في جيبوتي وكينيا والبحر الأحمر وفي المحيط الهندي خلافاً للصين التي لا هواجس أو كوابيس أمنية لديها أو قواعد أو جنود بقدر ما يحفّزها الصراع لأن تطمح إلى التهام الشمس عبر فوزها بعقود واستثمارات، وبناء بنى تحتية ومشاريع ضخمة في العديد من دول القارة، مع أنّها تقدم المساعدات والمنح وتشارك بقوات حفظ السلام في مناطق النزاع في إفريقيا.

لماذا إفريقيا ثالثاً؟

لأنّ الأرض في القارة السمراء، كما عوّدنا التاريخ في بقاع الأرض كلّه التي شهدت حروباً وصراعات، خصبة بأسباب الصراعات الداخلية والحروب الأهلية والاضطرابات التي تدمغ الأجساد السمراء وكأنّها جزء حميم من الحياة. هذه الخصوبة هي ضرع الالتقاء والتداخل بين العوامل الداخلية والخارجية التي يصعب تفكيكها ومعرفة بداياتها ونهاياتها لشدّة ما تتداخل فيها المصالح بالمبادئ والشعارات إلى درجة الضياع.

لا جديد تحت شمس الصراع الدولي ولا تحت شمس إفريقيا، إذ تتقدّم الحاجات الاقتصادية والجشع والتنافس حول مثلّثات لا تنتهي محشوّة بما تيسّر وتجهّز من أسباب الأمن والسياسة والدين والفقر والتنافس وتناتش الخيرات عبر التعاون والتقاسم والتفاهم والتآمر أو عبر التقاتل والصراع والحروب التي تلتهم الشعوب والأوطان.