في العام 2006، ارتكبت ​اسرائيل​ فظائع قاسية بحق ال​لبنان​يين، وكان لبنان مسرح جريمة بكل ما للكلمة من معنى على الصعيدين البشري والمادي والبيئي، فيما عرفت اسرائيل اقسى خسائر عسكرية لها منذ عقود طويلة، كما وصلت الصواريخ الى العمق الاسرائيلي في سابقة ارعبت الاسرائيليين.

في العام 2017، ها هو لبنان مرة جديدة مسرحاً لمعارك قوية في جرود ​عرسال​، في مواجهة مسلحين اعتنقوا ​الارهاب​ الهاً لهم، والقتل الجريمة ديناً ينادون به. وفي الوقت الذي كان لبنان، ولا يزال، في مواجهة مفتوحة مع الارهابيين بكل الوسائل (الامنية والاستخباراتية والعسكرية)، تكاد تكون هذه المعركة بمثابة الخطوة الحاسمة قبل السيطرة شبه المطلقة على المساحة الجغرافية التي تضمن عدم تمكين الارهابيين من التفكير في لبنان كملاذ او كباب خلفي للفرار اليه من ​سوريا​.

بين العام 2006 والعام 2017 بعض القواسم المشتركة، ولكن هناك الكثير من الاختلافات. ففي المشترك، هناك ​حزب الله​ الذي يبرز اسمه في الحالتين، والتنسيق مع ​الجيش اللبناني​ في هذا السياق، وحصر المواجهات في منطقة معيّنة...

اما الاختلافات فعديدة وتكاد لا تحصى، ولعل ابرزها ان دور الجيش اللبناني هذه المرة اكبر بكثير من دوره في العام 2006، فهو شكّل خطاً منيعاً لا يمكن للارهابيين التغلغل عبره او التسلل وراءه للوصول الى منطقة عرسال واثارة البلبلة والمشاكل التي كان من شأنها ان تقضي على اي انجاز عسكري يتحقق في الجرود، كما كان عليه السيطرة على مخيمات النازحين ومنع انطلاق اي عملية منها او تعريضها لاي عملية ايضاً نظراً الى التداعيات التي يمكن ان تحصل بعد ذلك.

مسألة اخرى يجب التطرق اليها وهي ان لعرسال حساسية طائفية خاصة، ولكن التعامل مع هذه المسألة كان من باب التسويات السياسية التي افضت الى ابعاد حزب الله عن بلدة عرسال، وبالتالي الغاء اي عذر يمكن ان يستغله احد للعب على الوتر الطائفي. على الجبهة السياسية والدبلوماسية، وقف العالم في العام 2006 ضد حزب الله ولبنان، وبقيت المعاناة لاكثر من شهر قبل ان يقتنع الجميع بأنه يجب حسم الامور بطريقة اخرى فكان ​القرار 1701​، فيما ​الحكومة اللبنانية​ كانت على خلاف مع رئيس الجمهورية حول شروط التفاوض وسط انقسام سياسي حاد. اما اليوم، فالعالم بأسره يقف "على الحياد" في معركة تستهدف الارهاب والارهابيين، فيما الحكومة اللبنانية على توافق مع رئيس الجمهورية على ابقاء المسألة خارج اطار اي خلاف سياسي، ولعل مغادرة رئيس الحكومة الى واشنطن يوم بدء المعارك، دليل على اعتماد الحكومة سياسة النأي بالنفس عن معارك ​جرود عرسال​، والاكتفاء بدعم ما يقوم به الجيش في البلدة نفسها. وفي المواجهة مع اسرائيل، كان حزب الله والجيش في موضع الدفاع، وفيما بقي الجيش في هذا الموضع عام 2017، انتقل الحزب الى الهجوم مستفيداً من دعم جوي وفّرته له الطائرات السورية.

في العام 2006، كان العالم يحاول رسم صورة المنطقة التي ترسم اليوم انما من البوابة اللبنانية وعبر مواجهة بين لبنان واسرائيل، فيما في العام الحالي بدات صورة المنطقة تتضح شيئاً فشيئاً من البوابة السورية والعراقية عبر المواجهة مع الارهابيين، ولبنان لم يكن بمنأى عنها وهو لا يزال يكافح ويقاوم من اجل الابقاء على استقرار دفع ثمنه باهظاً.

بين العام 2006 والعام 2017 تغيّر الكثير، ويبقى الاهم ان لبنان لم يعد كما كان عليه سابقاً، وهو اصبح اكثر راحة واكثر استقراراً، وبات له دور مهم في عملية القضاء على الارهاب بفعل قربه من الحدود السورية من جهة، وقدرات عسكرييه وحزب الله من جهة ثانية، ويمكن الاعتماد عليه في المواجهات العسكرية عند الحاجة، وقد اثبت ذلك في اكثر من مناسبة. جرود عرسال ستعود خالية من الارهابيين، ولبنان سيتخطى هذه المسألة التي كانت تؤرق الكثيرين لجهة معرفة كيفية التعاطي معها والحد من خسائرها على الصعيدين البشري والسياسي.