لم تسر رياح الازمة ​الخليج​ية على ما تشتهي سفينة السعودية، فكلما مضى الوقت، ظهر اكثر فأكثر التعاطف الغربي والدولي مع قطر فيما تتهم الدول المقاطعة لها بأنها لا تحترم حقوق الانسان، ولا تستند في اتهاماتها الى واقع ملموس في ظل الاتفاقات التي تجريها ​الدوحة​ مع عواصم دول غربية وفي مقدمها ​الولايات المتحدة الاميركية​.

وعرفت قطر كيف تضرب على الوتر الحساس للسعودية، وهو حقوق الانسان، علماً انه في الفترة الماضية، كانت الدوحة محط اتهامات مباشرة بعدم احترام حقوق الانسان من خلال تركيز الصحافة العالمية على ما اعتبرته "المعاملة السيئة للعمال"، الذين يتولون اقامة المنشآت الرياضية والملاعب تحضيراً لاستضافة قطر الحدث الكروي الاهم في العالم وهو المونديال عام 2022.

وضعت السلطات القطرية الرياض في موضع حرج حين اتهمتها بالتضييق على الحجاج للقيام بأداء فريضتهم الدينية بالحج الى ​مكة المكرمة​، وهو امر ان لم يحظ بتعاطف دولي، فهو سيحظى بتعاطف اسلامي على الاقل، فيما اكتفت السعودية بالرد عبر نفي الامر ووضع قطر في الموضع نفسه مع ​ايران​ في هذا المجال.

ولكن القطريين لن يقفوا عند هذا الحد، وقد يتخذون قرارات قد تعني تغيير الستاتيكو القائم في الخليج، والذي كان لفترة طويلة "مضبوطاً" و"محصوراً". من بين هذه القرارات، يمكن التركيز على اثنين اساسيين: الاول يتمثل باستضافة جنود اتراك على اراضيها، والثاني يتعلق بمنح تأشيرات اقامة دائمة للاجانب للمرة الاولى. في الشق الاول، لا يمكن اغفال الاهمية المعنوية والرمزية لاقامة اول قاعدة عسكرية تركية في الخليج والمنطقة بشكل عام، حيث استضافت قطر عدداً من الجنود الاتراك ولو بأعداد غير ضخمة، لكن الرسالة وصلت ومفادها ان قطر ستقتح ابوابها ليس فقط للاميركيين، بل لقوات متعددة الجنسيات لضمان استقرارها وتعويض تواضع عديد جيشها. اما اعتماد ​تركيا​ بشكل خاص، فيشكل احراجاً للخليجيين لان الاتراك على علاقة جيدة بهم، وسيفكرون مرتين قبل ان يعادونهم، كما ان الدور التركي الراهن في المنطقة له اهميته، ناهيك عن تقاربه مع ايران وما يعني ذلك من امتداد لنفوذ سياسي وجيوغرافي بين البلدين. ولعل المناورات العسكرية التي بدأت بين الجيشين التركي والقطري (تحت انظار الاميركيين وبرعاية روسية) خير دليل على ذلك.

كما ان قطر ابلغت من يهمه الامر ان استقرارها المعيشي والاجتماعي والحياتي لا يقتصر فقط على ​دول الخليج​ فانفتاحها الاقتصادي والتجاري على تركيا وايران كفيلان باثارة القلق لدى الدول المجاورة لها، كما انها اثبتت فاعليتها حيث بدا واضحاً ان العقوبات التي فرضت على الامارة الخليجية لم تؤت الثمار المرجوة منها.

على خط آخر، كان قرار اعطاء تأشيرات اقامة دائمة للاجانب موضع قلق كبير في الخليج، فقطر دولة صغيرة وقد تشكل هذه الخطوة بادرة لاستقبال اعداد كبيرة من الاجانب، ما يعني حركة اكبر بكثير نحو دول ​اوروبا​ والعالم الغربي طمعاً بالاموال القطرية، وهو سينعكس بالطبع استقراراً امنياً وعسكرياً دائماً ترغب فيه السلطات القطرية. صحيح ان القطريين لن يصلوا الى حد اعطاء الجنسية بشكل مفتوح للاجانب، لان من شأن هذا الامر ان يقوّض وضعهم الاقتصادي والمالي، ولكن التأشيرات الدائمة قد تكون الحل البديل المنشود.

كل هذه المعطيات من شأنها تغيير الستاتيكو الخليجي، يضاف اليه الوضع الدقيق الذي تمرّ به السعودية حالياً في ظل "النفضة" الملكية الجديدة والتي جاءت بولي عهد جديد سيكون بمثابة "الملك الظل"، وفيما تعيش ​الدول الخليجية​ الاخرى فترات غير مريحة تماماً في انتظار بلورة مصيرها النهائي بعد انتهاء ​الحرب السورية​ واستقرار الاوضاع في ​العراق​ و​ليبيا​، وكلها عوامل ضاغطة قد تؤدي الى اقامة وضع خليجي جديد.