جمع المشهد السوري في الساعات الأخيرة صورتين متناقضتين، صورة القتل المتعمد الذي ترتكبه اميركا مع تدمير البنية التحية السورية للقضاء على امال استعادة البناء والعودة السريعة للحياة الطبيعية، وصورة يرسمها الجيش العربي السوري وحلفاؤه وفيها الفضاء على الإرهاب واستعادة السيطرة على الأرض الي أفسد الإرهاب امنها واستقرارها.

ففي الصورة الأولى نجد ان اميركا ماضية قدما في عدوانها عبر ارتكاب جرائم الحرب ضد سورية وضد المدنيين السوريين في اعمال لا علاقة لها مطلقا بما تدعيه من حرب على الإرهاب – وهي أصلا لم تأت الى سورية لتحارب الإرهاب الذي صنعته وتستثمر فيه – فأميركا اليوم تنفذ خطة ممنهجة ضد الشعب السوري ودولته والبنى التحتية في البلاد من اجل اهداف يبدو انها لا زالت تراود الذهن الشيطاني الأميركي رغم اخفاقه خلال السنوات السبع الماضية في تحقيق أهدافه الاستراتيجية الأساسية في سورية.

ترتكب اميركا الأفعال العدوانية تلك بواسطة طائراتها و طائرات تحالف لا شرعي ركبته خلافا لقواعد القانون الدولي و خلافا للشرعية الدولية و زعمت انه من اجل محاربة الإرهاب و تبين واقعا انه جاء من اجل القتل و التدمير كما حصل و يحصل في المناطق السورية الشرقية و التي كان أحدثها ما ارتكبته الطائرات الأميركية ضد المستشفى المدني في الرقة حيث قتلت او جرحت كل من فيه من مرضى او كوادر طبية و دمرت المستشفى و اخرجته عن العمل ، في جريمة حرب موصوفة انتهكت فيها اميركا معاهدات جنيف الاربعة و كل قواعد الحرب المعمول بها في القانون الدولي و القانون الدولي الإنساني .

لقد بات واضحا ان الأهداف الأميركية البديلة في سورية اليوم و بعد الإخفاق في الأهداف الرئيسية تتركز على انشاء مناطق حكم ذاتي تديرها جماعات محلية تابعة لها و تسير وفقا لإملاءاتها ، و قد اعتمدت في هذا السياق على الجماعات المسماة قوات سورية الديمقراطية التي تحلم بكيان انفصالي في الشمالي الشرقي السوري ليشكل لأميركا قاعدة استناد لسياستها ضد سورية و العراق و الى حد ما تركيا ، و لان المنطقة المقصودة هي ذات اغلبية عربية فأن اميركا تبتغي الضغط على سكانها لتفريغها من العرب السوريين و جعل الاكراد قادرين على ادارتها دون الاصطدام بالعامل الديمغرافي او العامل الوطني الذي يفسد عليها خطتها الخبيثة .

من اجل ذلك تقدم اميركا على عمليات القصف الوحشي الاجرامي في المنطقة الممتدة من البوكمال ودير الزور جنوبا الى الرقة شمالا، فصف جعل الأمم المتحدة ورغم الهيمنة الأميركية عليها تقول بان "ما يجري في الرقة تدمير وليس تحرير". وفي هذا السياق جاء قصف الجسور فوق الفرات وتدمير البنية التحتية واستهداف الجماعات السكنية، ولا يمكن لعاقل ان يصدق ان كل هذه العمليات الاجرامية التي يربو عدها عن 30 عملية نفذت خلال الأشهر الستة الماضية أي مباشرة بعد سقوط الإرهاب في حلب وسيطرة الحكومة السورية على المدينة وريفها الشرقي، لا يمكن لعاقل ان يظن ان هذه العمليات وقعت على سبيل الخطأ بل جاءت في سياق عمل ممنهج مقصود تنبغي مواجهته لإفشاله كما تم افشال الخطة الرئيسية التي هدفت الى اسقاط سورية كلها بيد اميركا.

وهنا تأتي أهمية ومدلولات الصورة الثانية النقيضة في المشهد السوري هذا، اذ ومع العمل بنظام مناطق خفض التوتر في بعض المناطق السورية تابعت القوات السورية مع حلفائها العمل في الميدان وعلى اتجاهات وجبهات عدة وحققت نتائج لم تقتصر أهميتها على البعد العملاني الميداني بل تعدتها الى البعد الاستراتيجي العام الذي يؤكد ويثبت نتائج الصراع الدائر منذ سبع سنوات على الأرض السورية في مواجهة عدوان كوني تقوده أميركيا.

وفي هذا السياق اكدت سورية ان سقوط العدوان بات نهائيا ولن يكون هناك مدخل لإعادة تغيير وجهة النتائج ولهذا نجد ان طبيعة المعارك التي تجري اليوم تختلف عما مضى وتتمحور حول عنوان رئيسي هو استرداد السيطرة على ما فقد منها وتثبيته بشكل نهائي لا رجعة فيه الى الوراء وهنا يظهر العمل العسكري السوري التراكمي المضطرد الذي لا يسمح للعدوان بالرهان على خطط او مناورات جديدة لاستنقاذ وضعه المتردي وهنا نذكر بشكل رئيسي ما حدث في الأيام الأخير كما يلي:

1. السيطرة الكلية على مدينة السخنة ومنطقتها. وهو ما حصل خلال الساعات ال 48 الأخيرة وكان انجاز هامدا نظرا لموقع الندين وأهميتها. فهي منطقة وسط بين الرقة ودير الزور وتدمر (منها اندفعت القوات فحررت) ومن السخنة يمكن للقوات السورية مع الحلفاء تحصين الإنجاز العسكري الكبير المتمثل بتحرير الحقول النفط في ريف تدمر ومن السخنة أيضا يمكن للقوات متابعة الانطلاق نحو دير الزور لفك الحصار عنها وهو امر بات شبه مؤكد في الأسابيع القليلة المقبلة، وعندها يكون الوصول الى البوكمال واللقاء مع القوات العراقية في نقطة جديدة امرا متوقعا وتنشأ بهذا منطقة الاتصال الاستراتيجي الكبير بين سورية والعراق من البوكمال الى التنف. وبالتالي نرى في تحرير السختة قفزة ميدانية نوعية تفتح الجبهة على إنجازات اخرى بالغة الأهمية.

2. السيطرة التامة على الضفة الجنوبية للفرات في ريف الرقة الجنوبي الغربي، مع ما واكب هذه السيطرة من تحرير لعشرات القرى والمزارع والمساحات الزراعية وتشكيل سد مانع يؤمن مع السيطرة على السخنة جدارا يمنع القوات العاملة بأوامر أميركية من التوسع جنوبا والعودة الى البادية وبالتالي فان هذا الإنجاز يتعدى المساحة التي حررت ويكتسي أهمية استراتيجية بالغة تتصل بالخطة الأميركية البديلة المتكئة على الاكراد تنفيذيا.

3. طرد جبهة النصرة نهائيا من سلسلة جبال لبنان الشرقية من جرود عرسال وجرود فليطأ. لقد كان لهذا الإنجاز الذي عمل فيه الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية وبالتنسيق مع الجيش اللبناني غربا أهمية بالغة على عدة صعد منها العملاني والسياسي فضلا عن الاستراتيجي. ومن اهم ما يمكن ذكره هنا في هذا المجال انعكاس ذلك إيجابا على القلمون والغوطة ودمشق وكذلك على الطريق الدولي بين دمشق وحمص، اما من الوجهة الاستراتيجية فقد شكل هذا الإنجاز سحب ورقة من يد اميركا كانت تلوح بها لانشاء منطقة فصل بين لبنان وسورية تحت تسمية منطقة امنة او منطقة خفض توتر بالمفهوم الأميركي المحرف، لكن سقوط جبهة النصرة وتطويق داعش استعدادا لاقتلاعها بنفس الطريقة فوت على اميركا هذا الامر وحرمها مما حلمت به هي وإسرائيل من تنفيذه على الحدود اللبنانية السورية.

4. الضغط في البادية وصولا الى اقناع اميركا بفشل مشروعها في التنف ومحيطها. وهنا نرى ان الاستراتيجية التي اتبعتها سورية و حلفائها في البادية السورية أدت و بنجاح كلي الى افشال المسعى العدواني الأميركي الذي اتخذ من معبر التنف هدفا له للانطلاق منه والتمدد شمالا على طول الحدود السورية العراقية ليلاقي قوات سورية الديمقراطية شمال البوكمال ، لكن سورية مع حلفائها افشلت الخطة عبر الاندفاع و الوصول الى الحدود العرقية شمالي التنف أولا ثم العمل للوصول الى البوكمال ثم تحريك الجبهة حول دير الزور لمنع الإرهابين من التأثير على القوى السورية في محيط المطار و اخيرا العمل في الريف الجنوبي لتدمر باتجاه البادية . كل هذه الاعمال أدت الى اقناع الاميركيين بان وجودهم في التنف لم يعد له أي قيمة استراتيجية او حتى عملانية وان دعمهم للقوات المحلية التي أنشأوها لتنفذ خطط الفصل البديلة، لن يصل الى تحقيق أي نتيجة فكان القرار الأميركي الصادم للأدوات والذي تمثل بترك قاعدة التنف واستعادة السلاح من مغاوير البادية الذين رفضوا الانتقال الى الشدادي ورفض العمل بأمره قسد.

هذه الصورة التي اختصرنا بعض خطوطها في المسائل الأربعة المتقدمة جعلت الأميركي ومن معه يوقن بان الخطط البديلة لن تكون أحسن حظا من الخطة الاصلية وان سورية وحلفاؤها ماضون قدما وبقدم ثابت وبيقين راسخ الى تحرير كل البلاد من الإرهاب ورعاته وان ارهاصات الانتصار النهائي باتت اكيدة ونهائية ولذا نجد اميركا الخائبة ترتد بعمل انتقامي وحشي ضد المدنيين السوريين والبنى التحتية السورية.