على غرار اي خلاف بين شخصين، يتدخل الكثيرون للعمل على فضّه وتقريب وجهات النظر كي تحل الامور بطريقة سلمية، فيما يعمد بعض المتضررين على اذكاء نار الخلاف وتصعيده من اجل مصالح خاصة.

اليوم، اخذ الخلاف بين ​الولايات المتحدة​ و​كوريا الشمالية​ منحى تصاعدياً، كلامياً على الاقل، مع تهديدات مبطنة بالقيام بخطوات قد تؤدّي الى اشعال نيران قد لا تنظفىء في الجزيرة الكورية، مع كل ما يعنيه ذلك من انعكاس سلبي على الدول المجاورة ونعني بالاخص: ​الصين​. صحيح ان ​روسيا​ معنية ايضاً بالازمة، ولكن مساحة الحدود المشتركة مع كوريا الشمالية تكاد تكون لا تذكر (17 كلم) نسبة الى المساحة الكبيرة المشتركة مع الصين (تقدر بحوالى 1400 كلم). لذلك، يظهر وكأن روسيا قد "فوضت" الى الصين التعاطي مع الازمة الكوريّة على ان تقوم بمساندتها عند الحاجة سياسياً ودبلوماسياً، ان في مجلس الامن او في الاتصالات السياسية.

اليوم، ومع وصول ​دونالد ترامب​ الى الرئاسة الاميركية، بدأ ينتهج سياسة مغايرة لسلفه، وهو لم يتورع عن التهديد بالويل وعظائم الامور اذا لم تتراجع ​بيونغ يانغ​ عن مشاريعها وخططها. في المقابل، يجمع العالم على ان الرئيس الكوري الشمالي غير قابل للاصلاح وانه يفتقد للمعايير المنطقية بالشكل والمضمون، ولا تصلح معه بالتالي سياسة العصا، بل اعتماد العصا والجزرة في آن معاً كما كان يحصل سابقاً.

من هنا، يظهر وكأن الصين باتت صوت المنطق الوحيد في الخلاف الكلامي الكبير بين ​اميركا​ وكوريا وتبادل الاوصاف حول الرئيسين، والتهديدات بالوصول الى نقطة اللاعودة التي يمكن ان تكون "الحرب النووية". تدخل الصين يأتي في وقت حرج، فهي لا تملك علاقات ممتازة مع الاميركيين، ولا هي راضية عن التصرفات الكوريّة الشماليّة التي تبقى "تحت السيطرة" الصينيّة، لانه مهما بلغ اللامنطق عند كيم يونغ اون، فإن الواقع يفرض عليه احترام ميزان القوّة والتفوق السياسي والعددي للصينيين.

وعلى الرغم من تحّمس ترامب الكلامي، الا ان الوقائع لا تشير الى "حماسة" كبيرة للذراع العسكري الاميركي في الدخول بمغامرة مع كوريا الشمالية، لاسباب عدة، اهمها الكلفة الكبيرة التي سيتكبدها ​الجيش الاميركي​، والخطر الاكبر على جزيرة غوام (غرب المحيط الهادىء) البلاغ عدد سكانها نحو 160 الف شخص ناهيك عن اهميتها الاستراتيجية من الناحية الجغرافية (تقع في المنتصف بين بحر ​الفلبين​ والمحيط الهادىء) ما يجعل منها منطقة اقتصادية بالغة الاهمية. اما المصيبة الافظع فهي استثارة نقمة الصين وروسيا، اذ ستكون اميركا قد دخلت في منطقة جغرافية حسّاسة تؤثر بشكل مباشر على العملاقين الكبيرين، ولن يقفا بطبيعة الحال ساكنين ازاء وصول الحرب الى ابوابهما، وسيكون لهما رد سريع ومباشر.

اضافة الى ذلك، واذا سلّمنا جدلاً ان الحرب ستقع لا محالة، فمن غير الممكن ان تعتمد واشنطن على نظام الدفاع "ثاد" وحده لمواجهة الصواريخ الكورية، لان خطر وصول اكثر من صاروخ الى وجهته قائم في المنطق والواقع، كما انه وفق دراسات تم نشرها، فإن اسقاطه للصواريخ سيكون ضمن مدى 40 كلم. من جزيرة غوام، اي في المنطقة الاقتصادية الخاصة التي اقامتها الولايات المتحدة.

ازاء كل ما تقدم، يبقى من المنطقي-رغم الكلام البعيد عن المنطق والدبلوماسية- القول ان الصين تلعب دور "المصلح" وصوت المنطق والعقل لحل الموضوع بالشكل السلمي، فيما يراهن الكثيرون على تراجع ترامب عن تهديداته العالية، انما هذا لا يعني ان التوتر في المنطقة يتصاعد وان اي هفوة قد تؤدي الى ما لا تحمد عقباه. الحرب بعيدة مبدئياً، انما في ظل وجود ترامب ويونغ اون من المهم الترقّب والنظر بتمعّن الى المواقف مع الأمل ألاّ يصل احدهما الى تخطّي السقف المسموح به، عن قصد او غير قصد.