توقف التصعيد المحيط بتطورات الأزمة ​الخليج​ية المباشرة بين السعودية وقطر، ودخل مرحلة الركود، وكأن الطرفين دخلا في فترة هدنة مرحلية بانتظار شيء ما هو المساعي الدولية، وحسب المعلومات والتي أخذت على عاتقها البحث تعليق الأزمة في محاولة للوصول الى حل بين الدولتين لأسباب عديدة، خصوصاً أن تداعيات أي تطوّر فيها قادرة على إحداث تغيير في شكل الحركة السياسية في الخليج، وهو ما سيؤثر مباشرة على ملفات هامة وكبرى كالدور ال​إيران​ي والحرب في ​اليمن​ والملف السوري ومحاولات الدخول على المشهد العراقي وإنجاز تسوية سياسية فيه بحسابات ستكشف شكل الشراكة الإقليمية الجديدة بين أطراف النزاع.

الأكثر ضرراً من الأزمة السعودية القطرية وعملاً بالأحجام وتأثيرها السياسي هي المملكة العربية السعودية التي كانت تفترض أن استسلام قطر سيكون مباشراً وسريعاً بعد سلسلة مواقف إعلامية تصعيدية وإجراءات جدية، بعضها جاء مفاجأة بالنسبة للقطريين الذين لم يتوقّعوا تصعيداً خطيراً من نوع العقوبات التي تصل إلى حد استهداف حركة الملاحة الجوية وعرقلة استيراد المواد الأولية الحيوية عبر أراضيها الى ​الدوحة​.

وبغضّ النظر عن بيت قصيد الخلاف بين الشقيقتين الخليجيتين، فإن قطر استطاعت أن ترسم خطاً مستقلاً عن سياسة ​دول مجلس التعاون​ الخليجي وخرجت عن الإجماع السياسي في المجلس من دون الأخذ بعين الاعتبار موقعها الواقع ضمن جغرافيا تفرض عليها الاحتراز من مغبة الوصول الى لحظة كهذه، وبالتالي فإن الخطوة القطرية جريئة جداً فيها تحدٍّ مباشر للتوقع الذي يفترض أن تقدم على الخضوع استناداً للتارخ والجغرافيا التي تحكم واقعها السياسي. الدوحة التي قرّرت الاستعاضة عن السعودية وجدت في ​تركيا​ وإيران ضالتها المنشودة وأخذت الأخيرة على عاتقها إعلان استعدادها لمساعدة الشعب القطري في ما يحتاج من موادّ غذائية وفتح مجال الجوّ الإيراني أمام الملاحة القطرية لتعاود رحلاتها في إجراء سريع أيضاً، ما شكل تساؤلات كثيرة ووضع السعوديين أمام موقف جديد يتطلّب مزيداً من التروي. كل هذا يُضاف إليه الدعم التركي المطلق لقطر التي تشكل فرعاً من فروع روحية النظام التركي الذي ينسجم مباشرة مع النظام القطري كحليف عربي أول، بالتالي فإنه من غير الوارد أن تتجه ​انقرة​ نحو إدارة الظهر، وهي تدرك تماماً أن استهداف قطر هو استهداف أيضاً لسياساتها في المنطقة.

وعليه أدركت المملكة العربية السعودية أن إخضاع قطر ليس أمراً سهلاً، لكن الوقائع عزّزت هذا الموقف بعد أن كان مأمولاً من ​الولايات المتحدة​ الأميركية تقديم الدعم المباشر للسعودية وأخذ موقف واضح الى جانبها من دون تلك المواقف التي تحمل ازدواجية تقلق ​الرياض​ التي لم تصل الى خلاصة دعم أميركية «صافية»، رغم العلاقات الممتازة بين الدولتين التي تجسّدت بأكبر صفقة تاريخية اقتصادية بين البلدين 450 مليار دولار مقدّمة من الرياض لواشنطن ضمن مشاريع وخطط مختلفة.

الحديث اليوم عن حلّ ممكن أو وارد للأزمة القطرية بدأ يحوم في الأروقة السياسية الإقليمية وبعضه تمّ تسريبه صحافياً ضمن آلية يعمل عليها من أجل وضع حد لهذه الأزمة التي ستحمل في طياتها عنواناً عريضاً لأزمة خليجية خالصة. وهنا تبدو الرياض أكثر من له مصلحة في استغلال أي اتفاقية تحفظ ماء وجهها أو تنزلها عن شجرة رفع سقف المطالب لأسباب مباشرة أهمها:

أولاً: إن أي تصعيد في الموقف بوجه قطر أو التفكير بعمل عسكري سعودي أو تفعيل أكبر للعقوبات والحصار سيكون انتصاراً جديداً لإيران بمفهوم النقاط، خصوصاً أنها استطاعت منع المملكة من حسم حرب اليمن لصالحها من خلال دعمها القوى المقاتلة «الحوثي وحلفائه» ضد ​التحالف العربي​ لأن إيران مستعدّة لمد اليد طويلاً لمساعدة قطر على ما بدا، وبالتأكيد فإن السعودية بالغنى عن فتح باب من هذا النوع لإيران سيُحسَب بكل المقاييس انتصاراً إيرانياً على السعوديين.

ثانياً: لم تكن الولايات المتحدة واضحة في موقفها الى جانب السعودية وظهر أنها لم تتخلَّ عن قطر بعد مرور أسبوع من الصمود القطري بوجه الإجراءات العربية المشتركة، وهي اليوم مهتمّة بإيجاد حل للأزمة عبر جهود شخصية من وزير الخارجية الأميركي ​ريكس تيليرسون​ ومساعدين له باشروا بالعمل على الملف بعناية.

ثالثاً: لا تبدو واشنطن هذه المرة قادرة على تزخيم الموقف بدعم أوروبي، فيما لو كان مطلوباً من الدول الأوروبية مقاطعة قطر أو أخذ موقف منها، لأن بعض الدول ك​فرنسا​ و​إيطاليا​ و​بريطانيا​ وغيرها ملتزمة بعقود كبيرة وصفقات تعتمد عليها اقتصاداتها، ولا يمكن التفريط بها ومجاراة واشنطن هذه المرة على طريقة المواقف التي اتخذتها ​أوروبا​ ب​الأزمة السورية​ والليبية، خصوصاً أن ​الاتحاد الأوروبي​ يشهد انقساماً واهتزازاً كبيراً بخروج بريطانيا بسبب الأزمات الاقتصادية المنبثقة عن الغوص في متطلبات الحروب الأميركية الشرق أوسطية.

حلّ الأزمة الخليجية بوساطة أميركية، هو أكثر ما تحتاجه الرياض اليوم. وهو الأقرب إلى منطق الأيام المقبلة على ما تشير إليه الأجواء، بعد انكشاف كل هذه الوقائع أمامها، وإلا فإن المشهد سيكون أمام عبثية سياسية ستحيط بالمشهد الخليجي مهدّدة أمنه واستقراره من النواحي كلها، وبالحسابات كلها التي لن تصبّ إلا في خانة استنزاف المملكة وهالتها في الخليج أولاً وأخيراً.