يعتقد متخصّصون في الشؤون الاقليمية والدولية «أنّ الحرب في سوريا انتهت»، وباتت مقتصرة عملياً على المناطق التي ما زال لتنظيم «داعش» وجود فيها، وخصوصاً في منطقتي الرقة ودير الزور. وبدأ الجميع يستعدون لمرحلة ما بعد هذه الحرب.وتأسيساً على هذه المعطيات يقول هؤلاء المتخصصون، وبينهم نواب مطلعون على الموقف الاميركي، انّ تغييراً في موازين القوى قد حصل ويحصل في سوريا وستكون له انعكاساته على لبنان، وهذا التغيير دفع الافرقاء السياسيين كل على حدة الى إجراء مراجعة حسابات سياسية لتحديد خياراته المستقبلية في ضوء هذا المعطى السوري، ومن المنتظر ان تظهر نتائج هذه المراجعات تباعاً ومع التطور اليومي في الاوضاع على الساحة السورية وما يحوط بها من حراك اقليمي ودولي كان من بين نتائجه الملموسة تحديد «مناطق خفض التوتر» في الجنوب والوسط، اي في محافظة حمص، وتجري اتصالات لإقامة منطقة مماثلة في الشمال.

وفي اعتقاد هؤلاء انّ منطقة الجنوب السوري التي يحرسها الروس، ويؤكدون انّ المنطقة الجنوبية اقيمت بنتيجة اتفاق اميركي - روسي - اردني - اسرائيلي، سيُمنع أي أعمال مقاومة فيها مستقبلاً. فيما المنطقة الشرقية الكردية يحرسها الأميركيون.

ويرى الخبراء أنّ الاميركيين ربما يكونون قد تخلوا عن المعارضة السورية، وأخرجوا أنفسهم الى حد كبير من اللعبة في سوريا تاركين للروس واطراف اقليميين آخرين تدبير أمورها.

ويقول أحد النواب المطّلعين على الموقف الاميركي في هذه السياق انّ ما يجري حالياً هو ما يشبه مرحلة التصفيات النهائية لِما تبقّى من «داعش» ليتمّ لاحقاً حسم مصير بقية التنظيمات المسلحة التي تجمّعت في ادلب وبعض ارياف المدن الكبرى.

وتنقسم في لبنان التوقعات حول ما سيكون للواقع السوري الجديد الذي سينشأ بعد الحرب من انعكاسات على لبنان، وكيف سيكون مستقبل العلاقات اللبنانية ـ السورية، خصوصاً في ضوء الخلاف القائم حالياً حول التنسيق، والبعض سَمّاه «التطبيع» في هذه العلاقات في مناسبة تحضير الجيش اللبناني لمعركة إنهاء وجود مسلحي تنظيم «داعش» في جرود رأس بعلبك وعرسال، ودعوات البعض الى وجوب حصول تنسيق بينه وبين الجيش السوري و«حزب الله» المتمركزين في الجهة السورية من الحدود، في ظل موقف اميركي يدعو الجيش اللبناني الى خوض هذه المعركة بمفرده ويحذّره من التنسيق مع الجيش السوري و«الحزب» تحت طائلة وقف المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة الاميركية له.

وتشير التقديرات الى انّ موعد المعركة في جرود القاع ورأس بعلبك بات وشيكاً، خصوصاً انّ التحضيرات لنقل مسلحي «سرايا أهل الشام» من عرسال الى الرحيبة والقلمون الشرقي في الداخل السوري قد أنجزت، ولكن ما يعوق التنفيذ هو انّ الموقف السياسي في شأن العملية لم ينتظم بعد بسبب الموقف الاميركي، وليس بسبب مواقف بعض الدول الخليجية كما يردّد البعض، لأنّ الاميركيين يريدون أن تُحتَسَب العملية لهم مئة في المئة لحسابات سياسية سيحاولون الاستثمار عليها لاحقاً لبنانياً وعلى المستوى الاقليمي.

علماً انّ رئيس الحكومة سعد الحريري يتخذ موقفاً داعماً للجيش في هذه المعركة، تأسيساً على الموقف المَرن الذي اتخذه من معركة إخراج «النصرة» من جرود عرسال ولقي قبولاً لدى قيادة «حزب الله» وحلفائها.

وذلك عندما قال انّ «حزب الله» قام بالعملية وأنجز شيئاً ما والمهم النتيجة»، وشدّد على «انّ وجود داعش سينتهي في لبنان لأنّ الجيش سيتعامل مع هذا الوضع بالشكل المناسب»، وذلك إثر استقباله المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي شدّد في ختام وساطته بين «حزب الله» و«النصرة» على انّ رئيس الحكومة كان أوّل من طلب منه التوسّط بغية إنهاء وجود «النصرة» في عرسال وجرودها.

وثمّة اقتناع لدى فريق كبير من القوى السياسية بأنّ العملية العسكرية المنتظرة في جرود رأس بعلبك والقاع لن تنجز من دون تنسيق ما لبناني ـ سوري، نظراً لوجود مسلحي «داعش» في بقعة جغرافية حدودية مشتركة، فمن الجانب السوري هناك جيش النظام ومقاتلون من «حزب الله»، ومن الجانب اللبناني يوجد الجيش، ومن جهة جرود عرسال هناك انتشار له والى جانبه انتشار لـ»حزب الله» تَعَزّز بعد المعركة الاخيرة التي انتهت بإخراج مسلحي «جبهة النصرة» واكثر من سبعة آلاف نازح الى منطقة إدلب.

علماً أنّ الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله كان أعلن الاسبوع الماضي انّ الحزب لن يترك الجيش اللبناني وحيداً في المعركة المقبلة، وانّ مقاتليه سيكونون متمركزين الى جانب الجيش السوري من الجهة الحدودية السورية.

ويجزم البعض انّ انتهاء الحرب السورية سيفرض إعادة تموضع سياسي على المستوى اللبناني، ستكون له انعكاساته على الاستحقاق النيابي في ربيع 2018 وسيختفي معه مصطلحا 8 و14 آذار، وتشهد الغرف المغلقة حالياً بحثاً وتمحيصاً لاستشفاف معالم الواقع الجديد الذي سينتج من التسويات الاقليمية المقبلة وفي مقدمها التسوية السورية، ويبدو انّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط يستعجل الأمر، فقصد موسكو في الآونة الاخيرة يرافقه نجله تيمور ليقف على ما لدى صديقه «العرّاب» الروسي من معطيات، ليبني على الشيء مقتضاه، وقد يُفضي بشيء ما في هذا الصدد خلال مؤتمره الصحافي المقرر اليوم.