قبل 11 عاما و في 14 أب بالتحديد بدا العمل بقرار مجلس الأمن الرقم 1701 الذي نص على بوقف الأعمال العدوانية – القتالية – على الأراضي اللبنانية ، و هي الأعمال التي ابتدأتها إسرائيل في 12 تموز 2006 بهدف معلن محدد هو اجتثاث المقاومة من لبنان والانطلاق إلى بناء شرق أوسط أميركي جديد يقوم على نظرية تفتيت المنطقة وتفكيكها ثم إعادة تركيبها على أساس عرقي ديني طائفي مذهبي انثني ، يعتمد مبدأ " لا دولة قوية في المنطقة ألا إسرائيل ، و لا قوة مسيطرة في العالمألاأميركا " و ذلك تعزيزا و تثبيتا لنظام "الأحادية القطبية الذي انطلقت أميركا في أقامته مباشرة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي و غياب القطب الدولي المواجه لسياسة الهيمنة الغربية .

لقد توقفت الأعمال القتالية تلك دون ان تحقق إسرائيل ومن خلفهاوبقيادة أميركيةمبتغاها من العدوان الذي شنته على لبنان ومقاومته،وبالتالي وتطبيقا لقواعد النزاعات المسلحة والحروب التي بمقتضاها يحدد النصر والهزيمة تكون إسرائيل والجهة او المجوعة التي دعمتها في عدوانها قد هزمت، لان هزيمة المهاجم تكمن في عجزه عن تحقيق أهداف هجومه واضطراره إلى وقف الهجوم مكرها،وهذا هو حال إسرائيل في العام 2006 التي أكرهتعلى وقف هجومها دون تحقيق أهدافها،فقدمت لهاأميركا القرار 1701 حبل نجاة يخرجها من مازقها شكيا.

لقد شكلت هزيمة إسرائيل في العام 2006 حدثا استراتيجيا كبيرا لم تنحصر تداعياته ومفاعيله على علاقة إسرائيل بلبنانومقاومته بل تعدتها إلى محور المقاومة برمته، ثم شمل المنظومة الدولية الاستعمارية التي تنتمي اليها إسرائيل، لان نصر المقاومة بالشكل الذي حصل أكد سقوطأكذوبة " الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر" وسقوط مقولة " إسرائيل تذهب إلى الحرب والميدان متى تشاء وتعود سليمةإلى مواقعها بالنصر الذي تريد “. و كان لهذا السقوط اثر بالغ على استراتيجية القوة الصلبة التي اعتمدتها أميركالإقامة النظام العالمي الجديد على أساس الأحادية و الذي جعلت من جيشها و الحلف الأطلسي و الجيش الإسرائيلي أداتهالتنفيذية ، و كان للفشل الإسرائيلي في الميدان في مواجهة المقاومةالتأثير الكبير على السلوككله ، تأثير جاء في مستوى التغيير الاستراتيجي و الانتقال إلى استراتيجية القوة الناعمة التي اعتمدت و لا زالت اعتبارا من العام 2007 ، و هي الاستراتيجية التي بمقتضاها تقوم القوى الاستعمارية باختلاق الأزمات المدمرة و أدارتهادون ان تضطر إلى فتح الجبهات و زج جيوشها التقليدية فيها .

لقد ترجمت استراتيجية القوة الناعمة الجديدة بشكل عام في المنطقة هنا فيما اسمي "ربيعا عربيا "وجاء في التنفيذ حريقا وتدميرا لبلاد العرب بصورة عامة ولسورية بصورةخاصة.وأقول لسورية لان المشروع الاستعماري العدواني كان يرى ان أسقاط سورية وإخراجها من محور المقاومة سيفكك المحور ويعوض هزيمة ال 2006 ويفتح الطريقأمام الشرق الأوسط الأميركي الجديد.

و لكن و بعد 7 سنوات من البدء بتنفد العدوان بقيادة أميركية ، و بعد الصمود الأسطوري السوري ، صمود تحقق بما امتلكته سورية من قوة و صلابة و مناعة ذاتية ، ثم بما قدمه محور المقاومة من تأييد و دعم و مساندة و مساعدة ، ثم بما جاءت به روسيا من مواقف سياسية في البداية ، ثم انخراط في معسكر الدفاع عن سورية في الميدان ، بعد هذا الصمود بدا يرتسم الآنمشهدا معاكسا لما تمنته أميركا و إسرائيل و من تبقى من مكونات محور العدوان ، مشهد اقل ما يقال فيه ان العدوان على سورية بالإرهاب المصنع و المقاد أميركيا فشل في تحقيق أهدافه ، ثم ان عناصر الميدان القائمة في صورتها الأخيرة تنبأ قطعيا بانه لا مجال و مهما طال أمد الصراع على الأرض السورية ، لا مجال لانتصار العدوان في تحقيق أهدافه ، سواء كانت الأساسية ( أي السيطرة على كامل سورية ) او البديلة ( تقسيم سورية ) او الاستراتيجية التعويضية ( إقامة مناطق الفصل و العزل بين مكونات محور المقاومة و جعل الحدود خطوط فصل تحميها قوى محلية مدعومة بالقواعد العسكرية الأجنبية ) .

لقد حقق الجيش العربي السورية وحلفاؤه، إنجازات ميدانية هامة جدا أدت إلى رسم معالم مرحلة جديدة يمكن ان توصف بانها مرحلة إسقاط الخطط العدوانية وتسييج الأمن السوري وعزله عن مصادر الإرهاب المتدفق من الخارج،وتخفيض حدة الصراع والقتال في الداخل بشكل يمكن الجيش العربي السوري والحلفاء من القضاء على الإرهاب القائم على الأرض السورية واستعادة المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة وإسقاطها كل وفقا للصيغ التي تحددها مقتضيات المعالجة الأمنة.وفي هذاالإطار نتوقف عند الإنجازاتالتالية:

استطاعت سورية ان تفرض السيطرة على كامل الحدود الأردنية السورية وان تعيد المخافر الحدودية اليها وان توجه صفعة مهمة جدا لما ابتغتهأميركا من مناورات الأسد المتأهب التي اعتمدتها لتكون سبيلها للتدخل العسكري في سورية انطلاقا من الأردن ووصولا إلىدمشق،وكذلك أسقطت مشروع منطقة الفصل مع الأردن المتمم لحزامالأمن الإسرائيلي الذي خططت له إسرائيل.

تطهير الحدود اللبنانية السورية من الإرهابيين واقتلاع جبهة النصرة منها وأفشال المشروع الإسرائيلي الأميركي لإقامة منطقة العزل بين الدولتين التي تشكل جبهة النصرة نواتها، كما والاستخفاف بالمشروع او التهويل بتعديل القرار 1701 لنشراليونيفل على الحدود اللبنانية السورية لمحاصرة حزب الله شرقا بعزله عن سورية (أما ما تبقى من إرهابيي داعش فانه قيد المعالجة ونكاد نقول انه بعد القرار اللبناني الذي لا رجعة عنه بات الأمر مسالة وقت فقط).

أماالقسم المقابل لخط وقف إطلاق النار في الجولان والذي عملت إسرائيل وأميركا على تحويله إلىمنطقة حزام أمنىلإسرائيلوحراسته بقوات أميركية وأبعاد القوات الحليفة لسورية عنه، فقد ادخل في منظومة مناطق خفض التوتر وبالشرط السورية التي ترفض وجود قوات أمريكية وترفض الأملاء او تحديد من يكون في المنطقة من حلفاء سورية.

و في الجزء الجنوبي الشرقي من الحدود مع العراق و تحديدا من التنف و إلى الشمال منها فقد نجحت القوات السورية مع الحلفاء ببلوغ نقطة الحدود و أفرغت الخطة الأميركية من محتواها و هي الخطة التي قامت على تسليح قوات محلية تعمل بأمرةأميركا و مدعومة بقاعدة عسكرية أميركية أقيمت في التنف ، ما اضطر أميركاإلىالبغاء كل تلك الترتيبات و التسليم بالأمر الواقع ، التسليم بالاتصال بين القوات المسلحة السورية و العراقية ، واستعادة السلاح ممن سلحته في البادية و التحضير لأغلاق قاعدة التنف و الإعلان الواقعي عن فشل الخطة التي أعدت للحدود العراقية مع سورية.

انهها انتصارات هامة سجلت في الأسابيع الأخيرة ، و اذا عطفت على ما سبقها من انتصارات و على ما هو قائم من اتفاقات حول مناطق خفض التوتر او استعدادات لإنجاز ما تبقى من مهام دفاعية تبتغي الحفاظ على وحدة سورية نستطيع ان نقول بان معارك الدفاع عن سورية في اطار الحرب الكونية اللي شنت عليها باتت في مراحلها الأخيرة ، و لم يعد من معارك هامة كبرى سوى ما يحصل في المنطقة الشرقية من الرقة إلى البو كمال مرورا بدير الزور و السخنة ، و من تابع مؤخرا العمليات العسكرية السورية المتطورة و التي تمثلت بالأنزال الجوي السوري خلف خطوط العدو ب 21 كلم يعرف جيدا ماذا تعد سورية للمنطقة لاستعادتها .

وهكذا وبعد 11 عاما من انتصار المقاومة في لبنان على العدو الإسرائيلي الذي اعتمد استراتيجية القوة الصلبة، تستعد سورية ومحور المقاومة لتسجيل الانتصار على التحالف الذي قادته أميركا والذي استعمل استراتيجية القوة الناعمة واستند للإرهاب ليستثمر به .... انه زمن الانتصارات وتثبيت مقولة شرق أوسط لأهله.