أبدت اوساط ضليعة في الشأن العام الكثير من التعجب والعجب في آن من الاستكانة والهدوء اللتين يتمتع بهما رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في حكومته الثانية الى حد ان لا شيء يهزه اذا جاز التعبير بل يمدّد الامور وان كانت بعيدة عن قناعاته بتجاهلها حينا وعدم التعليق عليها احياناً اخرى الى درجة يصف فيها اخصامه قبل حلفائه الرجل بانه ليس سعداً الذي عرفوه قبل ذلك والجميع يتذكر كيف خلع سترته في احدى المناسبات في الوسط التجاري من بيروت اثناء القائه كلمته في حركة رمزية تحمل الكثير من التحدي والاستفزاز، فما الذي قلب شخصية الحريري رأسا على عقب، فهل انضجته الايام بما حملته من ظروف وزلازل اصابته شخصياً اثر اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري قبل ان تنتقل هزاتها الارتدادية على فوالق المنطقة المتصدعة من ادناها الى اقصاها، وهل يفضل الحريري الاستمرار في الحكم مهما كانت الاثمان ولو على حساب قناعاته بعد النكبة التي ضربت حكومته الاولى واخرجته من الحكم ومن البلاد في منفى اختياري؟

من جهتها، أوضحت اوساط قريبة من "​تيار المستقبل​" ان الحريري لم يتغيّر بل تغيّرت ظروفه، اضافة الى ان قصر عمر حكومته الاولى لم تسمح للكثيرين بالتعرف عليه بشكل صحيح، فالرجل صادق مع نفسه كما مع الآخرين ولا يلبس القفازات السياسية التقليدية في مقاربته الامور السياسية منها والاجتماعية، لقد قلّع انيابه في السياسة بفترة وجيزة حيث نضجت شخصيته على نار حامية منذ اغتيال والده وانتقال الارث اليه فهو ولي الدم اولا وولي تيار خلفه له الراحل قبل ان يتم تنظيمه، اضافة الى ان النكبات المتتالية صلّبت عوده من مقتل والده ومسلسل الاغتيالات الذي ضرب فريق 14 اذار وصولا الى افلاس سعودي - اوجيه درة تاج ​آل الحريري​ اضافة الى التغيير الجذري الذي اصاب الحكم في السعودية وانتقال حكم السعودية الى عهد جديد بعد رحيل الملك عبدالله الذي كان الحريري بمثابة الابن المدلل لديه والبرهان على ذلك هبة ​الحكومة السعودية​ للجيش اللبناني التي كلف الحريري بالاشراف على صرف مليار منها بارادة ملكية الا ان "المكرمة" طارت مع رحيل مانحها.

ولفتت الاوساط الى ان استكانة الحريري الراهنة تعود في الحقيقة الى علاقته برئيس الجمهورية حيث يتكامل الرجلان في السلطة اضافة الى ان الرئيس عون سيكون الدعامة الاساسية لمنع انهيار الحكومة مهما كانت الظروف فلا زيارة وزراء "امل" و"​حزب الله​" و"​المردة​" تستدعي استقالة الحكومة او تطييرها ولا المواجهة بين وزراء "المستقبل" و"​التيار الوطني الحر​" في جلسة الاول من امس، ناهيك بان الميادين في المنطقة قالت كلمتها لصالح المحور الذي ناصبه الحريري الخصام ويبقى عون نافذته الى المستقبل كواقع وليس كتيار.