لا يحتاج الجيش الى كلام معسول من احد او الى "تبخير" بإنجازاته في الميدان، فهو على عادته يعمل بصمت ويقدم الشهيد تلو الآخر من اجل بقاء ​لبنان​ ومنعته. ولكن هذه المرة غيرها عن المرات السابقة، والجميع مسرور بأن الجيش واكب العصر بالفعل، وعمل ما يلزم لكسب المعركة قبل ان تبدأ ضد عدو ارهابي لا يملك ما يخسره وظهره الى الحائط.

عوائق كثيرة تخطاها الجيش قبل ان يعلن عن عملية "​فجر الجرود​" التي يسطّر فيها ملحمة جديدة من ملاحمه البطولية. العقبة الاولى سياسيّة، حيث تمكن من توحيد مختلف القوى السياسية حول معركته القوية، وصمتت الاصوات التي تنتقده بين الفينة والاخرى، وقد لا يكون هذا الصمت بدافع شخصي بل بإيعاز من القيادات، كما ان ل​حزب الله​ دور في الموضوع فالانشقاق الذي اصاب اللبنانيين في ما خص دوره جعلهم يلتفّون حول الجيش ويحضنونه، وهو امر بالغ الاهمية وتجلى في اكثر من مبادرة وموقف رسمي وسياسي وشعبي.

العقبة الثانية التي تخطاها الجيش كانت سياسية ودبلوماسية، فالتهديدات التي وصلت بطريقة مباشرة او غير مباشرة ان لجهة منع التنسيق مع الحزب والجيش السوري، او لجهة عدم الاعتماد على اسلحة غير تلك المقدمة من ​الولايات المتحدة​، كادت ان ترجىء توقيت بدء العملية العسكرية ولكن الجيش ذلّل كل الصعوبات واعطى التطمينات اللازمة، وعمل على فكّ الالغام السياسيّة من امامه.

العقبة الثالثة تمثلت بالجزء الميداني من المعركة، فقد استعاض الجيش عن النقص في القصف الجوي الذي يفتقد اليه (لا يمكن الاعتماد على عمليات القصف من الطائرات الموجهة من بعيد، لانها تصلح لعمليات محددة كاستهداف قيادي ارهابي او تدمير منصة سلاح معين او غيره... ولكنها لا تصلح لمواكبة هجوم شامل، حيث يتم اللجوء الى الغارات الكثيفة والصواريخ الموجهة من السفن البحرية)، عبر سياسة "القضم" والتقدم من عدة جبهات في محاولة لتقليل نسبة الشهداء في صفوفه، دون ان يعني ذلك التباطوء في العلمية العسكرية او التخفيف من عنصر القوة فيها.

العقبة الرابعة كانت اعلاميّة، وقد نجح الجيش في اظهار مدى مواكبته لأهميّة المسألة الاعلاميّة عبر اعتماد سياسة جديدة اعطت ثمارها باكراً، فحصر من جهة المعلومات الاعلاميّة به، وابقى الجميع على بيّنة مما يحصل في الجرود، وهو امر مطلوب ومحبّذ وله ايجابيات كثيرة.

العقبة الخامسة كانت مسألة المخطوفين من عناصر الجيش لدى "داعش" ومعرفة مصيرهم، وهي نقطة كانت أيضاً مشكلة بالنسبة الى الجيش، فهؤلاء لا يزال مصيرهم مجهولاً، وعمل "داعش" على اتخاذهم بمثابة درع له وكسب الكثير من الاموال في وقت سابق خلال المفاوضات، وحصل على العديد من الطلبات "المقبولة" دون ان يظهر جديّة في التعاطي، فكان لا بد من اتخاذ القرار ببدء العملية مع ترك الباب مفتوحاً في مسألة الجنود المخطوفين حصرياً، وتولّي "الخبير" في هذه الشؤون، اي المدير العام للامن العام ​عباس ابراهيم​ هذه المهمة، فتكون قيادة الجيش قد عملت على تقديم كل ما يلزم في هذا المجال.

لكل هذه الاسباب وغيرها، فإن ​الجيش اللبناني​ كسب المعركة قبل ان تبدأ فعلياً، ويمكن الحديث عن انتصار معنوي وشعبي ووطني له قبل انتهاء عملياته التي ستعلن انتصاره الميداني والعسكري النهائي على "داعش" التي طالت اقامته على الاراضي اللبنانية، وبدأ العد العكسي لانهاء وجوده على الرغم من انه يجب في وقت لاحق تقصي فلول بعض الذين سيعمدون الى الهروب والتغلغل في المجتمع او ما يسمى بـ"الخلايا النائمة"، التي، قد لا تزال تعتقد انها ستغيّر في المعادلة شيئاً، علماً انها لن تقدّم ولن تؤخر، فالارادة الصلبة للجيش و​القوى الامنية​ عصيّة على بعض المُغرّر بهم الذين ستكون نهايتهم حتمية عاجلاً ام آجلاً.

وفي كل هذه المعادلة، فإن الدولة ستكون الرابح الاكبر، فهي ستشهد تحرير الاراضي اللبنانية من الارهابيين، كما انها لم تضطر الى مواجهة اي دولة او مجموعة دول سياسياً او دبلوماسياً، وستحظى باهتمام بالغ بفعل البطولات العسكرية للجيش، كما انها سيمكنها التركيز بشكل اساسي على قضية تلقي المساعدات لمعالجة موضوع ​النازحين السوريين​...