لم تكن تتوقع ​تل ابيب​ انتصارا عسكريا للمحور الداعم لدمشق. كانت تعتقد ان الفوضى ستسود في ​سوريا​ لعشرات السنوات، في حال عدم وصول نظام بديل عن الحالي. على الاقل كانت تتوقع ​اسرائيل​ ان تقبل دمشق بشروط التسويات الدولية التي تفرض اما سلاما اسرائيليا-سورياً، او رضوخا دمشقياً امام المطالب الاميركية المنحازة الى جانب تل ابيب. مرت سنوات الازمة منذ عام 2011، وتدرجت اسرائيل في خطوات دعم المسلحين ومؤازرتهم طمعا في استيلاد واقع سوري جنوبي جديد على تماس مع ​هضبة الجولان​ وباقي الاراضي المحتلة. كان طموح الاسرائيليين الوصول عبر عملاء او مجموعات موالية سراً لتل ابيب الى دمشق. كانت اسرائيل على وشك ترجمة طموحها عام 2013. عبّرت حكومة تل ابيب علنا بذلك من خلال جولات سياسية وعسكرية تكررت قرب الحدود مع سوريا. لكن الدعم العسكري الايراني ومن ​حزب الله​ للجيش السوري ساهم في وقف زحف المسلحين وكسر الطموح الاسرائيلي بدءا من المساحات القريبة من ​القنيطرة​.

أثبتت دمشق انتصار محورها، بدليل الإنجازات العسكرية على طول المساحة السوريّة الان وعودة المناطق تدريجيا الى حضن الدولة. كان السوريون وحلفاؤهم يحضّرون لعملية عسكرية واسعة في الجنوب، لكن تدخلا ​روسيا​ حال دون ذلك، لأسباب عدة: انحياز ​موسكو​ الى المصالحات والتسويات الداخلية، وهو يُنتج إنجازات توازي نتائج العمليات العسكرية من دون أيّ خسائر.

تلبية موسكو للمطالب الأميركية-الاسرائيلية بعدم وصول حزب الله لاستلام الجبهة الجنوبية السوريّة.

سعي الروس لاعادة تفعيل الاتفاقات السابقة القائمة على اساس وجود القوات الدولية (الاندوف) كضمانة لاسرائيل، ما يعني هنا اعادة الوضع الى ما كان عليه قبل شهر اذار 2011.

في الأشهر الماضية تركزت المفاوضات الدولية حول الجنوب السوري. زار في اذار الماضي رئيس الحكومة الاسرائيلية ​بنيامين نتانياهو​ روسيا وبحث مع الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ شروط التسوية. كان سقف نتانياهو عاليا آنذاك. اراد الاسرائيلي منع وجود قوات سورية مقاتلة او معدات ثقيلة واجهزة اتصالات ومراقبة وتنصت قرب القنيطرة او في درعا، اضافة الى منع وجود اي عنصر موالٍ لايران او حزب الله. لم يستطع نتانياهو فرض هذا الشرط. موسكو لم تراجع دمشق بالطلبات الاسرائيلية لتنفيذها، لأنها تعرف ان الرئيس السوري ​بشار الاسد​ سيرفض العرض من دون مناقشته.

في ​هامبورغ​ حصل الاتفاق بين الرئيسين الاميركي والروسي حول سوريا. لم يقبل نتانياهو بما ورد فيه حول الجنوب السوري، لأنه لا يراعي كامل الشروط الاسرائيلية، رغم محاولة موسكو تبديد الهواجس بنشر قوات شرطة روسية وعناصر استقدمتها موسكو من دول الاتحاد الروسي خصيصاً لنشرها في الجنوب السوري. لم تقبل تل ابيب، وجاءت زيارة نتانياهو الان الى موسكو في محاولة لفرض تسوية بشروط اقل، أساسها ابعاد الايرانيين وحزب الله عن الحدود. لكن هل تقبل موسكو؟ فلنفترض انها وافقت. هل تستطيع اقناع الاسد؟.

ستنطلق روسيا من تسويق فكرة تعزيز قوات "الاندوف" الى جانب قواتها. قد تقبل دمشق بهذا الطرح. لكن سوريا لا توافق على ترك الحدود مثلا بين القنيطرة وشبعا ال​لبنان​ية مفتوحة من دون اي تواجد عسكري سوري او لحلفاء دمشق في تلك المنطقة. لن تقبل دمشق ايضا ترك تلك المساحة من دون نشر راداراتها واجهزتها وفرض دورها. تستطيع ان تتحكم سوريا الآن بعد ارتياحها.

سقط خيار التقسيم جنوبا، او بناء كانتون موالٍ للاسرائيلي. لكن تل ابيب تريد بدائل. ما اشبه اليوم بمفاوضات تموز واب عام 2006، يوم كانت اسرائيل تحاول فرض شروطها على لبنان بالسياسة بعد الفشل في الحرب. حينها تدرج التراجع الاسرائيلي الى حدود القرار1701.