شكل اطلاق ​الجيش اللبناني​ لمعركة "​فجر الجرود​" لتحرير جرود ​راس بعلبك​ و ​القاع​ ، شكل تحولا استراتيجيا هاما على صعيد لبنان و المشهد الإقليمي العام حتى انه شكل انقلابا على كل ما خطط له ضد لبنان و ساهمت به جهات لبنانية سياسية رسمية و غير رسمية ، فهذه المعركة و بكل بساطة نقلت لبنان من موقع خدعة " الناي بالنفس " السياسة المهزلة و البدعة التي ابتدعها طاقم سياسي لبناني ليغطي ما يوفره لبنان من دعم للإرهابيين ، الى موقع كان فيه سباقا منذ العام 2000 ، و عطل بقرار سياسي ، هو موقع محاربة الإرهاب الذي تستمر فيه قوى إقليمية و دولية بقيادة أميركية .

لقد كان كثير من المختصين يستبعدون ان يقدم الجيش اللبناني على الانخراط في الحرب ضد الإرهاب على الحدود مع سورية لأنهم كإنو يرون ان في مشاركة الجيش اللبناني بهذه المهمة خدمة لما يسمونه "النظام السوري" الذي يعادونه خدمة لمرجعياتهم ومتبوعيهم ولهذا كانوا ولا زالوا يجاهرون برفضهم تقديم أي دعم للدولة السورية التي تقودها حكومة شرعية بقيادة الرئيس الأسد.

لكن تطورات الميدان و متغيرات السياسة الدولية ، و أخيرا المتغيرات الداخلية اللبنانية التي حملت العماد ​ميشال عون​ الى ​رئاسة الجمهورية​ و ​العماد جوزيف عون​ الى ​قيادة الجيش​ ثم ما قامت به المقاومة من عمل أدى الى اجتثاث ​جبهة النصرة​ و سرايا اهل الشام من جرود ​عرسال​ ، كل هذا متراكما ومتناغما حمل الجيش اللبناني حتى و بتأييد و دعوة من الأطراف ذاتها التي رفضت ان يتصدى الجيش لما اسموهم "ثوار " و هم في الحقيقة إرهابيين يعتدون على الامن الوطني و الإقليمي ، حمل الجيش على شن عملية "فجر الجرود" التي نفذ حتى الان معظمها . فكيف تمت العملية واين وصلت وما هي نتائجها وتداعياتها؟

بعد ان تشكل القرار السياسي اللبناني بشكل اجماع على تكليف الجيش اللبناني بمهمة استكمال تنظيف الجرود بعد ان انجز ​حزب الله​ مهمة تنظيف الجرود من ​الطفيل​ الى عرسال شاملا جرود ​يونين​ ونحلة (مساحة 600 كلم 2) وتبقى 120 كل م2 من الأرض اللبنانية تحت سيطرة داعش، انصرف الجيش بعدها لأعداد معركته مع الاخذ بعين الاعتبار قيود ومحاذير وعوائق لا بد من التعامل معها بحذر ودقة.

و قد اتقن الجيش مهمته و وفر شروط المعركة الناجحة امنيا و عملانيا و لوجستيا و سياسيا و ميدانيا بالشكل الذي يريحه و يريح الجميع و يوفر فرص نجاح المهمة ، و عمل بمنطق "نريد اكل العنب و لا نريد قتل الناطور" فتجاوز الاعتراض من البعض على التنسيق مع المقاومة و الجيش العربي السوري برفض علاني للتنسيق و عمل ميداني به تجلى في تحديد ساعة الصفر و محاور العمل و بقع الصلاحية ، و خرج الجميع راضين ، و العقلاء يعرفون كيف ان التنسيق حصل في خدمة المعركة بمجرد ان يدرس عملية "فجر الجرود " التي ينفذها الجيش اللبناني مع عملية " وان عدتم عدنا" التي ينقذها الجيش العربي السوري و المقاومة في اللحظة ذاتها و بدءا بساعة الصفر ذاتها .

هذه المعركة المتكاملة و التي تدور في الأرض اللبنانية و الأرض السورية المتصلة بها تتم في مسرح عمليات واحد ضد هدف واحد و تتجه لإنجاز عسكري واحد هو اجتثاث الإرهاب من كامل المنطقة السورية اللبنانية تلك انما هي معركة واحدة تنفذها قوى متعددة كل في بقعة صلاحية وفقا للقواعد العسكرية ، و لانها كذلك فقد استفاد الجميع من قدرات بعضهم البعض ووضعت داعش بين فكي كماشة من الشرق و الغرب ما حرمها القدرة على المناورة و الاسناد المتبادل ، و اجبرها منذ الساعات الأولى على اعتماد القتال التراجعي و الانكفاء الى الخلف لسببين الأول عائد الى نقص في العديد قياسا على المساحة المشغولة ( 1000 مسلح يشغلون مساحة 300 كلم في لبنان وسورية وهي تشكل بقعة عمليات واحدة ) و الثاني الوضع المعنوي و اللوجستي المتردي الذي يحد من قدراتهم القتالية ، رغم انهم محصنين في جبال وعرة و يدعون انهم يملكون عقيدة قتالية تمنعهم من الاستسلام و تدفعهم للقتال المستميت .

لقد سارت المعركة بتسميتيها (اللبنانية والسورية) وفقا لما خطط لها لا بل وأفضل مما كان متوقعا، حتى اننا رأينا فيها معركة نظيفة لم يتكبد فيها الجيشان والمقاومة خسائر تعادل عشر ما كان متوقعا وتسارعت الى حد اختصر نصف الوقت المخطط له، ووصلت الان الى حصر الإرهابيين في بقعة لا تتعدى ال 50كلم في لبنان وسورية منها 20 كلم في الأرض اللبنانية، تراجع اليها ما بين 500 و600 مسلح. و هنا سيكون على القادة المعنيين إعادة تقدير الموقف و تغيير اسلوب المناورة لان العدو لم يعد لديه مجال للعمل بالقتال التراجعي كما فعل حتى الان و سيضطر الى القتال المستميت اذا لم يستسلم و قد لا يستسلم ، خاصة و ان الاستسلام أيضا مقرونا او مسبوقا بالتفاوض و ضعت له قيادة الجيش شروطا لن تتعداها تتعلق بمصير ​العسكريين المخطوفين​ ، ما يجعل العمل العسكري لاستئناف المعركة هو المرجح و لكن بشروط و أنماط أخرى ، لن نخوض في توصيفها و هو امر يجب ان يترك للقيادة العسكرية دون أي تشويش عليها ، وهي اثبت كفاءة و جدارة و شجاعة و احترافا رسخت ثقة الجميع بالجيش اللبناني ، تلك الثقة التي تسبب السياسيون بالأضرار بها بشكل كبير .

لقد شكلت معركة فجر الجرود التي دخلها الجيش اللبناني بثقة واقتدار صورة تاريخية هامة ستضيف الى سجله العسكري صفحة ناصعة مضيئة أخرى، فكانت معركة حقق فيها الجيش إنجازات هامة وانتجت في الواقع الاستراتيجي والعملاني والسياسي الكثير من الدلالات التي سيكون لها من النتائج والمفاعيل ما لا يمكن اخفاؤه، كما انها من جهة أخرى فتحت شهية البعض على إطلاق المواقف والاسهال بالنصائح والطروحات وهنا وبين هذا وذاك لا بد من التأكيد على ما يلي:

1. في معركة "فجر الجرود" وبالطريقة التي نفذت فيها المعركة ووفقا لما رصد في الميدان من قوى، أكد لبنان موقعه في المعسكر الحقيقي ل​مكافحة الإرهاب​ والمتشكل بشكل أساس من محور المقاومة، ونفض عنه ما قيدته به سياسة الناي بالنفس التي دفع باهظا ثمنا من هيبته وسلامة جنوده وفي ميدان المعركة أجلى ما جاء من غموض ولبس حول انتماء لبنان للتحالف الدولي الأميركي لمحاربة الإرهاب وأكد لبنان التزامه بالحرب على الإرهاب وليس بتحالف اميركي.

2. ترسخت أكثر معادلة الشعب والجيش والمقاومة حيث ان المقاومة استبقت عملية فجر الجرود بعملية تطهير ​جرود عرسال​ فهيئت بيئتها، ثم ان المقاومة عملت تزامنا مع الجيش وبشكل منسق ميدانيا معها ما وفر له فرص اعلى لتحقيق الإنجازات، اما الشعب فقد كان ولازال حاضنا لعنصري قوة لبنان يرفدهما بالدعم المعنوي وبكل ما يتيسر (أضحكنا من طرح معادلة استبدل فيها المقاومة بالدولة دون ان يعلم ان الدولة تعني الشعب والارض والسلطة).

3. نجح الجيش في استقطاب تايد لبناني اجماعي اقله في العلن، حتى من أولئك الذين قاتلوه (​القوات اللبنانية​) او الذين حاصروه في المال والميدان (​تيار المستقبل​) ودون ان نتحرى عن سبب انقلاب مواقفهم يكفينا انهم مع الجيش وخلف الجيش وهذا ما كنا نريده دائما وان تتحقق وحدة لكلمة الوطنية دعما للجيش.

4. سقطت او ستحجب طروحات توسيع صلاحيات ​اليونيفيل​ وتعديل ​القرار 1701​ حيث اثبت الجيش ومعه المقاومة قدرة على الإمساك بالحدود ولا حاجة لأي عامل أجنبي اخر، وبهذا يكون الحلم الإسرائيلي بفصل لبنان عن سورية بقوات اجنبية قد دفن في جرود ​السلسلة الشرقية​.