لم يكد وقع الخبر الذي اعلنه وزير الخارجية ال​ايران​ي ​محمد جواد ظريف​ عن تبادل قريب للزيارات الدبلوماسية بين ​الرياض​ و​طهران​ ينتشر، حتى أعطى البعض الموضوع اكثر مما يحتمل في الوقت الراهن، وذهب الى حدّ التأكيد ان الجدار الناري الذي فصل بين البلدين بفعل الحساسيات الطائفية والجغرافية والدينية، قد انهار ولم يعد له وجود.

في الحقيقة، هناك نظرة اخرى اكثر واقعية تشير الى ان الامور لا تسير بهذه السرعة، وان ما تم ​الاعلان​ عنه قد يشكل ضوءاً صغيراً في النفق المظلم الذي يسير فيه البلدان. فالموافقة على اعطاء التأشيرات لدبلوماسيين لتفقد السفارتين في كل من البلدين، ليس بحجم قطع العلاقات الدبلوماسية والمواقف المتشنجة والعالية السقف التي اطلقت، ولكنه قد يدلّ عى ان سياسة رفع التوتر قد وضعت جانباً لصالح سياسة اقل حدة وتشنجاً. ويمكن تفسير هذا القرار بتسلم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ادارة البلد كملك تنفيذي دون اللقب الرسمي، وابعاد وزير الخارجية السعودي ​عادل الجبير​ عن الساحة وهو الذي عُرف بحماسته المضطردة في مهاجمة ايران عند كل فرصة سانحة.

ويبدو ان الامير بن سلمان قرّر العمل أوّلاً على تخفيف حدة التشنج الطائفي، وهو استقبل منذ فترة قصيرة الزعيم الشيعي في ​العراق​ ​مقتدى الصدر​، للدلالة على انفتاح السعودية على ​الطائفة الشيعية​ وعلى ان ايران لا تملك النفوذ على كل افراد الطائفة في المنطقة. صحيح ان الهدف من اللقاء كان ترطيب الاجواء مع العراق على شتى المستويات، بهدف توسيع الدخول السعودي الى هذا البلد وتقليص النفوذ التركي-الايراني فيه، ولكنه يبقى مهماً على خط اعادة الحرارة الى الاستقرار الشيعي-السني في المنطقة والذي هدد في فترة معيّنة بإختلال الستاتيكو المرسوم للشرق الاوسط.

ولعل تبادل الزيارات الدبلوماسية قريباً بين السعودية وايران، يحمل معه ايضاً رؤية سعودية جديدة للوضع الاقليمي في ظل الاهتزاز في الموقف الاميركي (كان آخره توتير العلاقات مع مصر)، واستعادة قطر عافيتها بشكل سريع وترسيخ وجودها في ​الخليج​ عبر نسج شبكة علاقات قوية مع ​تركيا​ وايران والغرب على حدّ سواء، وحالة عدم الاستقرار التي يشهدها ​مجلس التعاون الخليجي​.

وفيما سيسمح تخفيف التوتر مع ايران، بمقاربة الامور الاخرى بشكل اكثر هدوءاً، فإن الرياض ليست بوارد هدم الجدار الناري بعد، لانها عملية تحتاج الى وقت وصبر وتأنٍ، ومتابعة دقيقة للتطورات المتسارعة والمواقف المتقبلة التي تتخذها الدول الكبرى وفي مقدمها ​الولايات المتحدة​ الاميركية.

وقد تكون ​واشنطن​ هي التي حثّت على هذا الموقف، مع علمها باستعداد طهران للحوار ومقابلة اي خطوة سعودية انفتاحية بالمثل، لان التخفيف من حدة المواجهة مع ايران سينعكس ايجابا ًعلى الخطط الاميركية الموضوعة ل​افغانستان​، والتي تحتاج الى مساعدة اساسية من السعودية والامارات في ظل "تفضيل" الولايات المتحدة للهند على ​باكستان​، وحاجتها الى الدولتين الخليجيتين لمساعدتها على تطبيق خطّتها ولو ان الامر يشكل احراجاً لهما بسبب التحالف البديهي الذي طالما ربط بين الدول الثلاث.

تتشعب الاوضاع في المنطقة بشكل سريع، ولكن التعام معها ومع مشاكها لا يتم بهذه السرعة، وبالتالي من المبكر ربما القول ان العلاقات السعودية–الايرانية عادت الى ما كانت عليه في السابق اي قبل التوتر الكبير الاخير، ولكن من دون شك فإن الموقف الاخير ينمّ عن "تجميد" خط التوتر العالي، وافساح المجال امام سلوك طريق اخرى، بالتوازي مع تأمين الرياض لعلاقات افضل بكثير مع العراق، وارضاء واشنطن قدر الإمكان، وتعبيد الطريق امام تولي الامير محمد بن سلمان ادارة شؤون البلاد بشكل رسمي دون اي توتر قد يؤثر سلباً على بداية عهده وعلى الصورة التي يحرص على ابرازها.