بعد أن كانت "النشرة" قد تحدثت في وقت سابق عن مرحلة جديدة من السجالات بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار ستنطلق، بعد إنتهاء معركة "​فجر الجرود​" التي يقوم بها الجيش ال​لبنان​ي في جرود بلدتي ​القاع​ و​رأس بعلبك​، على خلفية الموقف من سلاح "​حزب الله​" والتنسيق مع ​الحكومة السورية​، يبدو أن القوى الإقليمية الداعمة للفريقين قررت عدم الإنتظار حتى الإنتهاء من المواجهة العسكرية، حيث لم يتأخر نائب وزير الخارجية الإيراني ​حسين جابري أنصاري​ في زيارة لبنان، ليتبعه مباشرة وزير الدولة السعودي لشؤون ​الخليج​ ​ثامر السبهان​.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الزيارتين يمكن وضعهما في الإطار نفسه، أي الإستعداد للمرحلة المقبلة التي ستكون حافلة بالتنافس على أكثر من ساحة عربية، بالرغم من أن بعض المؤشرات توحي بأن ​الرياض​ و​طهران​ مقبلتان على حوار ثنائي بينهما، وتؤكّد وجود قرار أميركي بالسعي إلى محاصرة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط لا يمكن أن تخرج عنه السعودية بأي شكل من الأشكال.

وتعود هذه المصادر إلى ما حصل في القمة السعودية الأميركية الإسلامية من أجل التأكيد على هذا الواقع، حيث تشدد على أن الرياض منذ ذلك الوقت وجدت الفرصة سانحة أمامها، مع وصول الرئيس ​دونالد ترامب​ إلى ​البيت الأبيض​، وبالتالي هي ليست في طور التراجع في المرحلة الحالية، بل على العكس من ذلك المطلوب المزيد من التصعيد، حتى ولو كان ذلك سيبقى دون حدود عدم الوصول إلى المواجهة المباشرة بين الجانبين.

على هذا الصعيد، تلفت المصادر نفسها إلى المساعي التي تقوم بها الرياض لحث بعض حلفاء طهران للإبتعاد عنها، أو السعي إلى لملمة أوراقها على مستوى المنطقة، بدءاً من الزيارة التي قام بها زعيم "​التيار الصدري​" السيد ​مقتدى الصدر​ إلى السعودية مؤخراً، بعد أن كان سبقه رئيس الحكومة العراقية ​حيدر العبادي​، وصولاً إلى محاولتها اللعب على التناقضات التي تعصف بأعدائها على الساحة اليمنية، أي الرئيس السابق ​علي عبدالله صالح​ وحركة "أنصار الله"، بالتزامن مع محاولة لملمة أوراقها على الساحة السورية.

بالنسبة إلى الواقع اللبناني، تشير المصادر المطلعة إلى أن المملكة تسعى في الوقت الراهن إلى إعادة الروح إلى جسم قوى الرابع عشر من آذار، من خلال سعيها إلى جمعها لتكون صفاً واحداً بعد أن كانت شهدت إنقاسامات عدة في المرحلة السابقة، سواء كان ذلك خلال فترة الإنتخابات الرئاسية أو بعد تشكيل الحكومة الحالية برئاسة ​سعد الحريري​، وتوضح أن التوجه بالنسبة إلى الساحة السنية لا يزال هو نفسه ما كان قد تسرب مؤخراً، أي الإصرار على أن يكون الحريري هو المرجعية السياسية الأولى، من دون أن يعني ذلك أنها لن تبقى على إنفتاحها على باقي القوى والشخصيات، إلا أنها توضح أن المطلوب من جانبها أن يكون الجميع ضمن مشروع مواجهة النفوذ الإيراني.

في الجهة المقابلة، تشدد المصادر نفسها على أن قوى الثامن من آذار تدرك هذا الواقع جيداً، وهي كانت تعلم منذ مدة بأن المحور السعودي الأميركي في طور الدخول في مرحلة جديدة من التصعيد، إلا أنها تأمل ألاّ تنخرط بعض القوى المحلية فيها، لا سيما أن مشهد ما حصل في ​جرود عرسال​ والإلتفاف الشعبي حول حزب الله أزعج كثيراً ذلك المحور، لكنها تشدد على أن لا توجه نحو تصعيد يتخطى الحدود.

في المحصلة، تؤكد كل المؤشرات الراهنة بأن الساحة اللبنانية ستكون على موعد مع عودة الخطابات التصعيدية بين كل من قوى الثامن والرابع عشر من آذار، لا سيما في ظل إصرار كل فريق منهما على تسجيل نقاط في الملفات الإستراتيجية على الآخر.