بعد التمكّن من إنهاء ظاهرة سيطرة الجماعات الإرهابيّة المُسلّحة على جزء كبير من الجرود ال​لبنان​ية على الحدود الشرقيّة مع ​سوريا​، إنتقل تركيز القيادات الأمنيّة في لبنان إلى سُبل تفعيل مُعالجة ثغرات الداخل، وفي طليعتها ملفّ الإرهابيّين المُختبئين في مخيّم "​عين الحلوة​". فكيف سيتمّ ذلك؟

بحسب المعلومات المُتوفّرة إنّ القرار إتخذ من قبل أعلى القيادات السياسيّة والأمنيّة في لبنان بإنهاء الحالة الشاذة في "عين الحلوة"، في سياق معركة إستباقيّة كُبرى تقضي بالقضاء على كل "الخلايا الإرهابيّة" الموجودة في لبنان، خاصة وأنّ إعترافات الكثير من الموقوفين أكّدت أنّ نسبة النشاط الإرهابي في المخيّم المذكور كبيرة جدًا، وأن تحضيرات لوجستيّة تجري هناك لضرب الإستقرار اللبناني وتعريض الأمن والسلم الأهليّين للخطر. وفي هذا السياق، أظهرت الإعترافات المذكورة أنّ بعض أحياء المخيّم تحوّلت إلى مرتع لتدريب الإرهابيّين، ولتحضير العبوات والأحزمة الناسفة، ولتأمين الأموال التي تُوظّف في تمويل أنشطة "الخلايا النائمة" خارج المخيّم، إلخ. وبالتالي، لا تراجع هذه المرّة عن مطلب لُبناني مُزمن بوجوب ضبط تسليم كل المطلوبين من قبل ​القضاء اللبناني​، والفارين من وجه العدالة، والمُتهمين بالتورّط في ملفّات إرهابيّة وأمنيّة الطابع. لكن وعلى الرغم من أنّ القرار السياسي إتخذ، فإنّ عقبات عدّة تحول دون تنفيذه بسُهولة في ظلّ التعقيدات المعروفة الموجودة، الأمر الذي يستوجب اللجوء إلى أفكار وأساليب غير تقليديّة لتحقيق الهدف المنشود.

إشارة إلى أنّه من الناحية العسكريّة الصرف يستطيع ​الجيش اللبناني​ إقتحام الشوارع والأزقّة الخاضعة لسيطرة الجماعات الإرهابيّة المُسلّحة في "عين الحلوة"، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر أحياء الطوارئ والطيري والصفصاف، لكنّ هذه العمليّة لا يُمكن أن تتم بالشكل التقليدي، لأنّ المخيّم يضمّ أكثر من مئة ألف مدني ما يستدعي خروجهم قبل إنطلاقها. كما أنّ كثرة المباني المُتلاصقة وتعدّد الأزقّة الضيّقة داخل المخيّم ضُمن مساحة جغرافيّة محدودة جدًا، يعني أنّ السيطرة عسكريا على المخيّم لا يُمكن أن تتم إلا بعد دفع ضريبة بشريّة كبيرة جدًا. إلى ذلك، إنّ عدم إمكان فرار الإرهابيّين المُختبئين في هذه الأزقّة إلى خارج "المخيّم" يعني تلقائيًا أنّهم سيُقاتلون حتى النهاية، ما سيستوجب عندها إعتماد سياسة الأرض المحروقة ضُدّهم، وبالتالي تدمير أجزاء كبيرة من المخيّم وتحويلها إلى رماد. أكثر من ذلك، إنّ تعدّد الجماعات المُسلّحة داخل المخيّم، وعدم مركزيّة القرار فيه، وُوجود صراع على السُلطة وعلى القرار الفلسطيني، إضافة إلى إرتباط الكثير من الجماعات المُسلّحة بجهات خارجيّة إقليميّة، يُضفي المزيد من التعقيدات على المشهد ككل. وبالتالي، لكل هذه الأسباب المذكورة أعلاه، لا مجال لقيام الجيش اللبناني بعمليّة عسكريّة لإعتقال الإرهابيّين، حيث أنّه سيكتفي في المرحلة الحالية بإجراءته الأمنيّة في محيط المخيّم، لجهة مُراقبة المعابر ومنع هروب أي مطلوب ومنع تهريب الأسلحة والذخائر إلى داخله، وكذلك لجهة تكثيف العمل الإستخباري لمعرفة أماكن تواجد الإرهابيّين داخل المخيّم.وبالنسبة إلى "خريطة الطريق" التي ستُعتمد لتسليم الإرهابيّين، فهي تشمل التالي:

تشكيل لجنة فلسطينيّة تضم مجموعة من القيادات المُؤثّرة في أمن المخيّم، خاصة أولئك الذين يُمثّلون سُلطة القيادة الفلسطينيّة في "رام الله" داخل المخيّم، إضافة إلى مُمثّلي حركة "حماس" وغيرهما من القوى، ليحظى أي تحرّك فلسطيني مُستقبلي بحقّ الإرهابيّين والمطلوبين، بغطاء سياسي فلسطيني واسع، من خلال قوّة أمنيّة مُشتركة.

ثانيًا: تقسيم ملفّ المطلوبين للقضاء إلى أجزاء حسب درجة الخُطورة التي يُشكّلونها، وتشجيع الأشخاص المطلوبين بتهم جرميّة غير إرهابيّة، ومنها جرائم قتل والمُتاجرة بالأسلحة والمُخدرات وإطلاق نار والإعتداء على القوى المُسلحة، إلخ. على تسليم أنفسهم مع تقديم الوُعود بإجراء مُحاكمات عادلة وسريعة لهم، الأمر الذي من شأنه إضعاف القُدرات القتاليّة للجماعات الإرهابيّة من خلال سحب العديد من العناصر المُقاتلة من تحت عباءتها.

مُساعدة أجهزة الإستخبارات اللبنانيّة على تنفيذ عمليّات إستدراج وإعتقال لبعض المطلوبين الخطيرين، على غرار العمليّة التي حصلت في نهاية أيلول 2016، وإنتهت بإلقاء القبض على الإرهابي ​عماد ياسين​ الذي كان يتبنّى الفكر "الداعشي" ويُحضّر لعمليّة إرهابيّة خارج المخيّم.

فتح باب التفاوض أمام إحتمال ترحيل مطلوبين غير لبنانيّين إلى خارج الحُدود اللبنانيّة، مع إستثناء كل المطلوبين اللبنانيّين من هذا البند، وكذلك المطلوبين غير اللبنانيّين الذين ثبت تورّطهم في أعمال إرهابيّة في لبنان، علمًا أنّ نسب نجاح خيار الترحيل خارج لبنان ضئيلة نتيجة ضرورة الحُصول على مُوافقات إقليميّة عدّة مُسبقًا.

خامسًا: التنسيق مع السُلطة الفلسطينيّة الشرعيّة، لتقديم أيّ مُساعدة أمنيّة لها لتشجيعها على إنهاء الحالات الشاذة داخل المخيّم، بدءًا بتسهيل مرور عناصر حركة "فتح" الذين يخضعون لدورات عسكريّة تدريبيّة في مخيّم الرشيديّة إلى داخل "عين الحلوة"، مُرورًا بتوفير الأسلحة والذخائر للحركة في أي مُواجهة واسعة مُحتملة مع الإرهابيّين، وُصولاً إلى تأمين غطاء ناري مدفعي وصاروخي في حال دعت الحاجة، خاصة في حال حاول الإرهابيّون تهديد أمن صيدا والجنوب عند إنطلاق أيّ عمليّة عسكريّة فلسطينيّة ضُدّهم.

إشارة في الختام، إلى أنّه في حال لم تلمس القيادات الأمنيّة اللبنانية جدّية فلسطينيّة في الشروع في مُعالجة ملف المطلوبين والإرهابيّين داخل "عين الحلوة"، فإنّ القوى العسكريّة اللبنانيّة ستلجأ إلى تطبيق إجراءات أكثر تشدّدًا حول المُخيّم، بهدف الدفع لإنهاء هذا الملف الشائك منذ عُقود بشكل سريع ونهائي هذه المرّة.