يبدو الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ شديد الثقة بقدرة بلاده هذه الأيام على تحمّل كل ما يمكن أن يصدر عن الادارة الأميركية الحالية من مواقف وتوجّهات تجاه بلاده ربما أيضاً هو مرتاح أكثر لوجود مثل الرئيس ​دونالد ترامب​ في سدة الرئاسة الأميركية، لأن المعلومات التي اجتمعت بوصف علاقة الرجلين ببعضهما البعض تؤكد أن الرئيس ترامب لا يرغب بأي نوع من الحساسية المباشرة مع الرئيس بوتين. الأمر الذي اكدته الصحافة الأميركية مجتمعة، هذا ليس له علاقة بالانتخابات بفتح الأفق امام روسيا للتدخل في الانتخابات الأميركية لصالح ترامب، كما هي التهمة الموجهة اليه من خصومه، بل انه حسب المعطيات نتيجة سنين طويلة من تعامل رجل الأعمال دونالد ترامب مع شركات روسية ومسؤولين روس عرفوا ما يكفي عن نشاطه الاقتصادي المالي تعاونوا معه لسنوات، لكن هذا بالإضافة الى ملف فضائحي كبير وصل لبوتين يسجل فيه كل نشاط ترامب في روسيا من ضمنها محطات «شخصية» قد تعود على مهمته بالفشل، كما هو معروف بتأثر الرؤساء الغرب بمثلها في مجتمعاتهم بشكل مباشر أمام الرأي العام.

الحديث عن ابتزاز «مزدوج» هنا ممكن، إذا اخذت هذه الحسابات بعين الاعتبار، لكن كل هذا بالنسبة للرئيس بوتين الذي يتقن الاستخبارات الاستفادة من كل ما من شأنه تعزيز حضوره لا يمكن أن يكون منطلق القراءة الروسية للراحة التي تعتري قيادتها حلفاءها. فروسيا اليوم ليست روسيا منذ سنتين إبان تهديد شبه جزيرة القرم كحديقة خلفية لروسيا وليست روسيا التي خاضت واشنطن تجارب استنهاض المعارضة الروسية بوجه بوتين بمساعدة خليجية ودعم مباشر من وزيرة الخارجية الأميركية السابقة ​هيلاري كلينتون​، حلفاء روسيا اليوم ليسوا كحلفائها في السنوات الماضية. فسورية تنتصر على ​الارهاب​ وجيشها وصل ​دير الزور​ و​إيران​ تفوقت في ملفها النووي ونجحت بالاحتفاظ بحقها بامتلاك هذه الطاقة، بل فرضت على الغرب الاعتراف بأنه لا غنى عن اتفاق يفتح سبل التواصل مع طهران مستقبلاً.

يخاطب الرئيس الروسي الأميركيين اليوم بأكثر الملفات تعقيداً وحساسية بالنسبة اليهم. هو يدرك أنهم أخفقوا في ملف مشابه «النووي الايراني» من دون أن يتوقف عن السعي للمزيد من الانتصارات السياسية مستحضراً العقوبات المفروضة على ​كوريا الشمالية​ معتبراً إياها بشكل جازم أنها غير فعالة وعديمة الجدوى. إن الحوار وحده هو الكفيل بحل القضية الكورية».

رسائل موسكو مباشرة لواشنطن من بوابة القضية الكورية الشمالية ستعيد الأميركيين مباشرة الى المربع الأول، حيث يتم استذكار الملف النووي الايراني كأن التاريخ يعيد نفسه، اذا كان الأميركيون قد نسوا الدعم والمساندة الروسيين لإيران بهذا الملف، فإن بوتين أخذ على عاتقه تذكيرهم بأن الملف النووي الكوري لن يحلّ سوى بطرق سلمية. وهو غمز مباشر الى دعوة المسؤولين الأميركيين للاتعاظ من الملف الإيراني، مسألة الحق بامتلاك ​الطاقة النووية​ اللجوء الى عقد مباحثات كتلك التي نجحت في فيينا بالملف الإيراني. وعلى هذا الاساس أتت كلمات بوتين حازمة، فيها ما فيها من تأكيد الثبات الكوري الشمالي من باب «العارف» القريب من قيادتها، كما أراد أن يوحي قائلا «إن الكوريين الشماليين سيأكلون العشب، إلا أنهم لن يتخلوا عن هذا البرنامج النووي إن لم يشعروا بأنفسهم آمنين». في هذا إعلان روسي عن أن الطريق إن كان طويلاً الا أن روسيا اتخذت قرار دعم كوريا الشمالية حتى آخر نفس ليأتي الغمز من الأزمة الكورية الشمالية مجدداً بكلام بوتين عن العقوبات الدولية مبدأ استخدامها بالمطلق بقوله إن «دعوات المجتمع الدولي لروسيا إلى دعم العقوبات الجديدة ضد كوريا الشمالية سخيفة، لأن روسيا هي التي تواجه العقوبات الدولية بنفسها أيضاً»، مضيفاً «موسكو على ثقة في أن نظام العقوبات غير فعّال ولا يعتبر حلاً لقضية كوريا الشمالية»، وأن «نهج كوريا الشمالية لن يتغير مهما كان تأثيرنا عليها، إلا أن معاناة ملايين الأشخاص قد تتفاقم بشكل كبير».

نسف بوتين أمام الأميركيين امكانية استخدامهم مسألة العقوبات كفزاعة لروسيا قبل اي شيء. وهو الذي قال إن الكوريين قد يأكلون العشب من أجل حقوقهم أراد ان يؤكد ان الروس ليسوا أقل من هذا استعداداً من اجل تثيبت نفوذهم وحقوقهم دولياً، اذا كان ​البيت الابيض​ يعوّل كثيراً على استخدامم العقوبات المالية على روسيا وحلفائها فإن هذا الأمر «سخيف» لا يثير قلق الإدارة الروسية التي تعتبره مشروعاً أو خياراً فاشلاً لا يمكن التعويل عليه، لا بتغيير الموقف الروسي ولا الكوري الشمالي تماماً، كما فشل هذا الخيار مع إيران وما اضطر بنهاية المطاف أن يعيد المجتمع الدولي النظر في فك العقوبات وفتح أفق الحوار.

الرئيس بوتين الذي يبدو متحمّساً لمساندة كوريا هذه المرة كان أكثر صراحة في المواجهة مع الأميركيين، كأنها معركة كسب نقاط وضغوط تبدأ من سورية ف​العراق​، فتنتهي عند الازمة الكورية، لتصبح حلحلة سلسلة العقد للوصول الى تسوية كاملة متكاملة ب​الشرق الأوسط​ مرتبطة ببعضها البعض بشكل متقن لا يعرف خيوطه إلا الأميركيون والروس الذين قرروا على ما يبدو تصفية الحسابات الكبرى لاحتساب نقاط الربح الخسارة في الشرق الأوسط قبل الحلول السياسية المتوقعة، فهل تتصاعد الملفات وتتزايد سخونتها حتى ذلك الوقت؟ أم أن التجربة مع إيران قادرة أن تعيد للأميركيين اتزانهم قبل المواقف النهائية؟