للمرة الأولى منذ انتخاب الرئيس ​ميشال عون​ رئيساً للجمهورية، يصدر موقف سعودي على أعلى مستوى، ينعى فيه مشروع الغطاء الذي أُعطي للتسوية في انتخابات الرئاسة وتشكيل الحكومة، فالوزير السعودي ​ثامر السبهان​ استعمل جملة قصيرة بمفعول طويل الأمد، كأنه أراد أن يظهر رأس جبل الجليد السعودي الرافض لمسار عام، أدّى الى سيطرة شبه كاملة لـ»حزب الله» على قرارات السلطة.

تقول اوساط ديبلوماسية عربية انّ موقف السبهان لم يأت من فراغ، بل كان التعبير الحقيقي عن نفاد الصبر وانتهاء مهلة السماح والاستطلاع لمسار التسوية، فإذا بالجديد يظهر على قدمه، واذا بكل التوقعات المتفائلة التي قدمت الى المملكة عن تحقيق انتصار على ​ايران​ بهذه التسوية، تنقلب رأساً على عقب، إذ تماهت السلطة مع «حزب الله» الى درجة الذوبان، وغطّت أجندة الحزب في حرب الجرود، وبَدا في المحصّلة انّ الحزب حظي بغطاء رسمي لكلّ ما قام به.

وتقرأ الاوساط الديبلوماسية في موقف السبهان غير المسبوق من «حزب الله» إشارات في الشكل والمضمون، فالتعبير الذي استعمله لوصف الحزب، يدلّ على انّ الموقف السعودي يصنّف الحزب في الخانة نفسها التي يضع فيها «داعش» و«النصرة»، وتالياً يذهب هذا الموقف الى حد اعتبار انّ المشاركة مع «حزب الله» في حكومة واحدة، تشبه المشاركة في الحكومة مع «داعش» او «النصرة»، فلا فروق تذكر، حسب رأيها.

وتشير الاوساط العربية الى أنّ زيارة السبهان الأخيرة ل​بيروت​ شهدت حضّاً لأطراف التسوية الحلفاء، على الوقوف في وجه الحزب وعدم تقديم الغطاء له داخل الحكومة، وهذه الزيارة قد تليها خطوات اخرى مقبلة، ستكون استكمالاً للزيارة، ولا تستبعد الاوساط أن يكون ما قاله السبهان في بيروت للحلفاء، بداية لسلوك جديد داخل الحكومة، حتى لو أدّى ذلك الى مبادرة «حزب الله» الى افتعال ازمات قد تعطّل عملها.

وترصد الاوساط مواقف متوقعة سيطلقها رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور ​سمير جعجع​ في هذا الاتجاه، علماً انّ علاقة جعجع بالمملكة لم تتأثر سلباً، طوال المرحلة الماضية على رغم عتب سعودي على الأداء داخل الحكومة، الذي مَكّن «حزب الله» من تحقيق خطوات متقدمة على طريق إمساك القرار الرسمي اللبناني.

وتشير الاوساط الى انّ مرحلة السماح الآخذة في النفاد، لم تعد تتيح الاستمرار كما منذ بداية تشكيل الحكومة والى الآن. فعلى الجميع، كما ورد في التغريدة، الاختيار. والاختيار يعني امّا استعادة توازن مفقود، وهو امر بات صعباً بعد سقوط كل الدفاعات السياسية امام «حزب الله»، او الانسحاب من هذه الحكومة والتوجّه الى المعارضة وترك الحزب يشّكل حكومته بالتعاون مع رئيس الجمهورية، على ان يتحمّل مسؤولية مخاطر ​الاقتصاد​ المهدّد، وهذا خيار يؤيده أركان في تيار «المستقبل»، غير انه غير مطروح الآن على طاولة الرئيس الحريري، على الأقل قبل الربيع المقبل.

أنهت تغريدة السبهان مرحلة «الغموض البنّاء»، وافتتحت مرحلة الوضوح المكلِف، ورَتّبت على الحلفاء تحديد موقعهم.

وهذه التغريدة المختصرة، التي لا يمكن وضعها حصراً في سياق موقف سعودي معزول عمّا تقوم به السعودية من خطوات واتصالات في المنطقة والعالم، قالت ما قالته من رسائل، ولا يمكن ان تبقى الأجوبة على ما هي عليه.

فالمطلوب سعودياً، حسب المصادر، بات أكثر من مجرّد إدارة أزمة، من داخل الحكم، في ظل موازين قوى غير متكافئة، بل قرار بالخروج، إذا تعذّر استعادة التوازن بالبقاء.