لفت عضو كتلة "القاء الديمقراطي" النائب هنري حلو في كلمة له خلال مؤتمر بعنوان "​النفط​ والغاز: السياسات والفرص" نظمه الحزب "التقدمي الاشتراكي إلى "أنني أود أن أنقل إليكم تحيات رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ الذي كلفني تمثيله في هذا المؤتمر، وتمنياته أن تكون النقاشات اليوم مفيدة، وتساهم في الإضاءة على مبادىء مهمة وأساسية لوضع السياسات السليمة لإدارة ثروتنا البترولية الموعودة، مستفيدين من تجارب الدول الأخرى، بما يتيح ل​لبنان​ الإفادة من الفرص التي توفرها هذه الثروة، بدلا من تفويت فرصة جديدة، كما فعلنا أكثر من مرة في هذا البلد، يا للأسف".

وأشار إلى "انني لن أعود اليوم إلى الوراء، لا إلى التأخير والسنوات التي ضاعت قبل اعتماد مرسومي التنقيب عن ​النفط والغاز​، ولا إلى الظروف التي أدت، بسحر ساحر، إلى ولادتهما، والتي أوحت بوجود صفقة سياسية قائمة على تقاسم الحصص. كل ما نأمله أن لا تكون شكوكنا في محلها، لأن هذه الثروة يجب أن تكون لكل مواطن لبناني، لا لقلة من المنتفعين، ويجب أن تستخدم للنهوض بلبنان وب​اقتصاد​ه، من أجل غد أفضل لأجيالنا المستقبلية، لا أن يتم إهدارها في إنفاق غير مدروس. إن ما يضفي أهمية أكبر على مؤتمركم اليوم، هو أنه ينعقد قبل أيام من جلسة تشريعية عامة"، آملا "أن يقر ​مجلس النواب​ خلالها مشروع قانون الاحكام الضريبية المتعلقة بالأنشطة البترولية، الذي يستكمل المنظومة التشريعية ويفتح الطريق أمام بدء المرحلة العملية للمسار النفطي، إذ يصبح في الإمكان استدراج العروض لتلزيم ​بلوكات النفط​، بعد أن تم تمديد موعد تقديم طلبات المزايدة لدورة التراخيص الاولى من 15 ايلول الى 12 تشرين الاول المقبل".

وشدد على أن "القوانين الضريبية ذات الصلة بالقطاع النفطي يجب أن تحقق التوفيق والتوازن، بين حق الدولة من جهة، وتشجيع الشركات على الاستثمار في القطاع من جهة ثانية وفي كل الأحوال، وباعتماد هذا القانون، واكتمال الإطار القانوني، نصبح أمام الامتحان الحقيقي: امتحان الشفافية. إن المرحلة المقبلة تتطلب قدرا كبيرا من الشفافية، لأن هذه الشفافية هي حجر الزاوية لإدارة ​الثروة النفطية​. فالشفافية أساس الثقة، سواء أكانت ثقة ​الشعب اللبناني​، أم ثقة الشركات العالمية الكبرى التي ستقدم عروضها. لقد تعودنا، مع الأسف، في مناقصاتنا، ممارسات كثيرة تنتهك مبدأ الشفافية هذا، منها تفصيل دفاتر الشروط على قياس شركات معينة، أو تغيير المواعيد، أو سوى ذلك. إن اللبنانيين يتخوفون من تغلغل الفساد في إدارة الثروة النفطية و​الغازية​. ومن هذا المنطلق، يشكل تأمين الشفافية في كل مراحل إدارة القطاع، أحد أهم المبادئ الواجب اتباعها وممارستها".

وأعتبر أن "اللبنانيين ما عادوا مستعدين للاكتفاء بشعارات الشفافية التي لا تطبق، بل المطلوب آليات واضحة وعلمية وموضوعية تضمن التطبيق الفعلي لهذا المفهوم وفي هذا الإطار، ينبغي إنشاء هيئة مراقبة مستقلة تشرف على عملية فض وتقييم عروض الشركات، وتراقب آلية منح التراخيص في دورة التراخيص الأولى. كذلك يجب اتباع آليات لإشراك مجلس النواب في مراقبة كل الخطوات المتعلقة بالثروة البترولية، ضمانا لرقابة ومساءلة فاعلتين. ومن الضروري أيضا نشر كل المعلومات عن الشركات المتقدمة للحصول على التراخيص، في ما يتعلق بعروضها وخططها، ونشر التفاصيل المتعلقة بعمليات الاستكشاف والإنتاج، وكميات الإنتاج، وحصة الدولة في بترول الربح، وقيمة المصاريف المستردة ونوعيتها، وغير ذلك. ومن الشروط المهمة لتحقيق الشفافية، إنشاء سجل بترولي على طريقة ​السجل العقاري​ والسجل التجاري، لتسجيل الحقوق البترولية ونظرا إلى أهمية الدور المنتظر لهيئة إدارة ​قطاع البترول​، يفترض أن يتم اعتماد معايير وأطر قانونية ومالية لتحسين آلية عمل الهيئة، وتوفير الحوكمة الفضلى والسليمة لها، وتمكينها من ممارسة دورها الناظم للقطاع بشكل مستقل، وجعل أدائها ضامنا للثروة النفطية. وينبغي أن تضمن هذه المعايير الحد من أي استنساب قد ينجم عن الصلاحيات الواسعة لوزير الطاقة الذي ينبغي أن تكون سلطته محصورة بالرقابة والإشراف".

وأضاف "أما الامتحان الآخر الموازي للشفافية، فهو استخدام العائدات النفطية المتوقعة في المكان الصحيح والمفيد. وينبغي الحرص على ألا يتم التعامل مع عائدات النفط والغاز على أنها مكسب آني، ويجب بالتالي أن تجمد نسبة منها وألا تستخدم لأغراض آنية، بل أن توضع في تصرف الأجيال المقبلة. وإذا كان قانون الموارد البترولية في المياه البحرية لحظ صندوقا سياديا لإيداع عائدات الأنشطة والحقوق البترولية فيه، فيجب أن تحدد بوضوح نسبة العائدات التي ستجمد للأجيال المقبلة، وتلك التي ستخصص لسد ​الدين العام​، وتلك التي ستوظف في استثمارات خارجية ويجب أن يكون معروفا ما هو نوع هذه الاستثمارات، وأي جهة ستتولى تحديد الاستثمارات ووفق أي أسس. كذلك يجب تحديد نسبة العائدات التي ستوظف لإنشاء بنى تحتية، وكيف سيتم تحديد الأولويات في هذا المجال، ان لجهة طبيعة هذه ​البنى التحتية​ أو لجهة ضمان الإنماء المتوازن"، مؤكداً أن "أموال الصندوق السيادي يجب أن يكون جزء منها صمام أمان لمستقبل أولادنا، وأن يستثمر جزء آخر في تطوير ​الاقتصاد​ وتنشيطه، من خلال تحسين البنى التحتية، ودعم القطاعات البتروكيميائية، والطاقة البديلة، واقتصاد المعرفة وخصوصا التكنولوجيا، والشركات الصغيرة والمتوسطة، وسوى ذلك من القطاعات التي تساهم في تحفيز النمو وتوفير فرص العمل. ولا بد من أن يدار هذا الصندوق أيضا بأقصى حد من الشفافية، وأن تتوافر آليات الرقابة عليه. إن العائدات المتأتية من نفطنا البحر، يجب ألا ترمى في البحر، وألا تذوب في إنفاق اعتباطي، بل يجب أن تنتشل اقتصادنا من أعماق الأزمة، وتقوده إلى شاطىء الأمان، من خلال الاستخدام السليم لها. إن عصر النفط الآتي على لبنان يجب أن يقترن بخطة اقتصادية يتم على أساسها توجيه العائدات في الإتجاه الصحيح، وبإصلاحات هيكلية تضمن عدم تبخر الأموال المنتظرة. وإذا لم يحصل ذلك، نكون ضيعنا فرصة جديدة، كتلك الفرص الكثيرة التي ضيعناها عبر تاريخنا".