مع انتهاء جلسة ​مجلس الوزراء​ الأخيرة، هلّل كثيرون لما أسموه بـ"الانجاز النوعيّ" الذي حقّقته الحكومة بتشكيلها هيئة الاشراف على الانتخابات، رغم أنّ الأمر لا يعدو كونه "واجبها الدستوري" بموجب ​قانون الانتخاب​ الجديد، الذي أقرّته بنفسها والذي لم يجفّ حبره بعد، ورغم أنّ هذا "الإنجاز" أتى ليغطّي في مكانٍ آخر على تقاعس الحكومة نفسها في نقاشٍ لا طائل منه حول الانتخابات الفرعيّة، بحُجّةٍ مُضحِكة مبكيةٍ تُستعمَل للمرّة الثانية، ألا وهي ضيق الوقت.

وإذا كان "ضيق الوقت" في جلسة مجلس الوزراء سيمهّد لـ"ضيق المهل" ما سيؤدّي تلقائيًا لـ"تطيير" ​الانتخابات الفرعية​، وهو سيناريو بات الجميع في ​لبنان​ على علمٍ به، فإنّ أسئلةً تُطرَح عن دلالات تشكيل هيئة الاشراف في المقابل، إذ كيف يمكن قراءة هذه الخطوة، في سياق "البازار" الحاصل حول الانتخابات النيابية العامة والمداولات غير الخافية على أحد لتقريبها أو تأجيلها؟ وهل تشكّل هذه الخطوة ضمانة كافية تؤكّد نيّة السلطة إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد في أيار 2018؟

خطوة إيجابيّة؟

في البداية، لا شكّ أنّ تشكيل هيئة الاشراف على الحملة الانتخابيّة، رغم كونه واجبًا دستوريًا لا جدال فيه، يُعتبَر خطوة إيجابيّة تُسجّل للحكومة، التي سمحت لنفسها في أكثر من مكان بخرق الدستور، سواء باللجوء إلى "اجتهادات وفتاوى" يمكن تصنيفها في خانة "غبّ الطلب"، أو بالمماطلة والتجاهل بكلّ بساطة، كما هو حاصلٌ حاليًا على صعيد الانتخابات الفرعيّة، التي يصرّ وزير الداخلية على عدم توقيع مرسوم دعوة ​الهيئات الناخبة​ لاجرائها بانتظار بحثها في مجلس الوزراء، الذي لم يجد منذ أشهر وحتى اليوم الوقت الكافي لفعل ذلك.

ولعلّ ما يعزّز فرضية "الايجابية" في قراءة خطوة الحكومة يتمثّل في أنّ "اجتهاداتٍ" كانت قد بدأت فعلاً بالظهور في الساعات الأخيرة لتبرير إمكان عدم تشكيل الهيئة خلال المهلة القانونية التي نصّ القانون بوضوحٍ لا لبس فيه على أنّها لا تتخطّى ثلاثة أشهر من تاريخ نشر القانون، والتي تنتهي يوم الأحد المقبل في 17 أيلول. وذهبت هذه "الاجتهادات" إلى اعتبار هذه المهلة مهلة حثّ لا إسقاط، ما يعطي الحكومة "الأريحيّة" في تجاوز المهلة في حال عدم التوافق على أسماء أعضاء الهيئة، بحُجّة أنّ تشكيلها بعد انتهاء المهلة القانونيّة لا يفسد في الودّ قضية، كما أنّه لا يعني وجود نوايا ضمنية لدى الحكومة بإلحاق الانتخابات العامة بالفرعيّة عبر تطييرها، طالما أنّ هناك أكثر من ستّة أشهر تفصل عن الموعد المقرّر بموجب القانون لهذه الانتخابات، أي ​6 أيار​ 2018.

تحفّظات لا بدّ منها

وإذا كانت الحكومة أرادت، بتعيينها هيئة الاشراف في جلستها الأخيرة، توجيه رسالة رسميّة لمن يعنيه الأمر بأنّها ملتزمة بإجراء الانتخابات في موعدها، إلا أنّ الأمر لم يمرّ بسلاسةٍ ودون تحفّظات، على أكثر من مستوى وصعيد، ما دلّ على وجود حالة تخبّط، أو إرباك بالحدّ الأدنى، في مقاربة مختلف القوى السياسية للملفّ الانتخابيّ.

فمن حيث الشكل أولاً، أتى تعيين الهيئة من قبل مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال، رغم أنّ وزير الداخليّة أعلن أنّ مرسوم تشكيل الهيئة موجودٌ في الأمانة العامة لمجلس الوزراء منذ مدّة، ما يطرح علامات استفهامٍ بالجملة عن سبب عدم وضعها ضمن جدول الأعمال، ليتسنّى للوزراء الاطّلاع الكافي والوافي على المرسوم والسير الذاتية للمرشحين لعضويتها وإبداء الرأي. أكثر من ذلك، تُطرَح علامات استفهام عن سبب تركها حتى اللحظة الأخيرة لتُطرَح، ولو كان ذلك منسجمًا مع العادة اللبنانية المتوارثة بعدم إقرار شيءٍ إلا تحت الضغط، علمًا أنّ البعض رأى أنّ الحكومة كانت ربما بوارد "القفز" فوق الهيئة كغيرها لو لم يتمّ إثارة موضوعها من جانب الإعلام ومن جانب الجهات المعنيّة عشيّة جلسة مجلس الوزراء الأخيرة.

أما من حيث المضمون، فإنّ الإشكاليّة التي برزت مرتبطة بـ"تركيبة" الهيئة، التي "أقرّ" وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ بأنّها تضمّ، في صفوفها، "ممثّلين عن مختلف الأحزاب في لبنان"، الأمر الذي يتعارض في المبدأ مع الهدف المرجوّ من تشكيلها، وهو إدارة العمليّة الانتخابيّة بعيدًا عن أيّ تدخّلات سياسيّة، مع ما يتطلّبه ذلك من حياد ونزاهة وشفافية وموضوعيّة، والأهم من كلّ ذلك، من تجرّد تامّ. ولا شكّ أنّ هذه الإشكاليّة ستشهد الكثير من الأخذ والردّ في المرحلة المقبلة، علمًا أنّ هناك من قال أنّ تصريح المشنوق يجعل مرسوم تشكيل الهيئة قابلاً للطعن بدستوريّتها وقانونيّتها.

لا ضمانات

عمومًا، بين الإيجابيّات والتحفّظات، يبقى الثابت واحدًا، وهو أنّ تشكيل الهيئة ليس سوى خطوة أولى في مسار تطبيق قانون الانتخاب، وهذه الخطوة، على أهميتها التي لا نقاش فيها، تبقى غير كافية لإنهاء السجال الحاصل في البلاد اليوم حول إمكان الذهاب لتمديد رابع، كونها لا تشكّل، وحدها، أيّ ضمانة لحصول الانتخابات في موعدها، في ضوء عدم حسم القوى السياسية حتى الساعة للكثير من البنود التقنيّة "الخلافيّة"، على الرغم من دقّ ​وزارة الداخلية​ لناقوس الخطر خلال اجتماعات اللجنة الوزارية المكلّفة البحث بتطبيق قانون الانتخاب، وتسريب كلامٍ تهويليّ للوزير المشنوق في هذا السياق مفاده أنّ "الانتخابات في خطر".

من هنا، فإنّ السجال لا يزال مفتوحًا حول الكثير من الآليّات التطبيقيّة، ولا سيما لجهة اعتماد ​البطاقة الممغنطة​ أو البطاقة البيومترية، أو الذهاب لاعتماد مبدأ التسجيل المسبق للناخبين الراغبين بالاقتراع مكان السكن، الذي يخضع بدوره للتجاذب حتى بين الحلفاء. أما الحديث عن انتخاباتٍ مبكرة في حال تقرّر الاستغناء عن البطاقة الممغنطة، فلا يبدو واقعيًا ولا قابلاً للتطبيق، بل يصبّ في أحسن الأحوال في خانة "المزايدات السياسية" تحسّباً لأيّ تأجيلٍ ممكن، ليس فقط لأنّ القوى السياسية غير مستعدّة لهذه الانتخابات، وماكيناتها الانتخابيّة لم تبدأ العمل حتى الآن، وإنما لأنّ وزارة الداخلية غير جاهزة لوجستيًا لإجراء انتخابات بموجب قانون الانتخاب الجديد، وهي التي لم تشرع حتى اليوم في أيّ حملات للتثقيف الانتخابي، من دون أن ننسى أنّ الفترة الفاصلة للانتخابات بالكاد تكفي لهيئة الاشراف التي تشكّلت للتو للتحضير والتجهيز للانتخابات.

وجهة نظر...

في لبنان فقط، يصبح الالتزام بالدستور إنجازًا موصوفًا، وعدم التقيّد به حقاً مشروعًا للقوى المتحكّمة بالسلطة، إذا ما ارتأت أنّ مصلحتها السياسية تقتضي ذلك.

لا تنطلق هذه المعادلة من فراغ، بل من مرسوم هيئة الاشراف، الذي اعتُبِر إنجازًا، إلى الانتخابات الفرعيّة، التي لا تبدو القوى السياسية مُحرَجة من تطييرها.

وفي الحالتين، لا يعدو الموضوع كونه عبارة عن إجراءات يفترض أن تكون روتينيّة وعاديّة، وفق قانونٍ لا لبس فيه، وإن تحوّل لوجهة نظر!