إنطلاقاً من مشاورات ​مؤتمر الأستانة​ الأخير، يبدو أن قرار حل جبهة "النصرة"، الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، قد اتخذ بعد أن باتت هزيمة "داعش" في ​سوريا​ والعراق على الأبواب، وهو الأمر الذي كان واضحاً منذ اللقاء الشهير بين الرئيسين الروسي ​فلاديمير بوتين​ والأميركي ​دونالد ترامب​.

على مدى أشهر طويلة، سعت الجبهة إلى محاولة تلميع صورتها أمام المجتمعين الإقليمي والدولي، مستعينة بالدعم الذي تحظى به من قبل بعض القوى الإقليمية الفاعلة على الساحة السورية، وبالقوة التي تمتعت بها خلال الحرب التي أجبرت بعض فصائل المعارضة المسلحة والسياسية على رفض التخلي عنها، فتحولت إلى جبهة "​فتح الشام​"، بعد إعلان أميرها ​أبو محمد الجولاني​ فك الإرتباط رسمياً مع "القاعدة"، إلى جبهة "تحرير الشام" مؤخراً بعد إعلان إندماجها مع عدد من الفصائل الأخرى.

طوال تلك الفترة، كانت الجبهة تنتظر، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة على هذا الملف لـ"النشرة"، أن يصدر عفواً عنها، يقضي برفع اسمها عن قائمة المنظمات الإرهابية أو تحييدها عن دائرة الإستهداف، من جانب التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده ​واشنطن​ والتحالف الآخر الذي تقوده موسكو، لكنها لم تنجح بذلك رغم رفع بعض المتعاطفين معها شعار عدم القدرة على الفصل بينها وبين فصائل المعارضة المعتدلة، بسبب التداخل في المناطق التي يسيطر عليها الجانبان، وهو ما كان يظهر خلال المفاوضات السابقة بين وزيري الخارجية الأميركي السابق جون كيري والروسي سيرغي لافروف، لكن على ما يبدو مسار الأستانة نجح في تحقيق هذه الغاية، من دون تجاهل الإصرار الأميركي على رفض الخطوات التي قامت بها الجبهة لتغيير جلدها.

على هذا الصعيد، برزت، بعد تكاثر الحديث عن عملية عسكرية قد تقوم بها تركيا وروسيا وإيران في مدينة ادلب، التي تعتبر المعقل الأساسي لـ"النصرة"، الإنشقاقات التي عصفت بـ"تحرير الشام" على نحو غير مسبوق، مع العلم أن وسائل الإعلام التركية كانت تحدثت قبل ذلك عن نجاح بلادها في تجنيب المدينة عملية عسكرية، كانت الولايات المتحدة تنوي القيام بها، وصولاً إلى إعلان أكبر الفصائل العسكرية التي إندمجت معها في الهيئة الخروج منها، أي "جيش الأحرار"، بعد حوالي شهرين، من إعلان حركة "نور الدين زنكي" انفصالها أيضاً، وبالتزامن مع إعلان "شرعيين" الإنسحاب من الهيئة ، ​عبد الله المحيسني​ ومصلح العلياني، بسبب "تجاوزات القيادة للجان الشرعية في الهيئة".

من وجهة نظر المصادر نفسها، ما تقدم لا ينفصل عن التحول الذي يطبع مواقف القوى الفاعلة في الأزمة السورية، خصوصاً تلك الداعمة لفصائل المعارضة، والتي لم تعد تتردد في دعوة هذه الفصائل إلى التحلي بالواقعية، على قاعدة أن "اللعبة انتهت"، بالإضافة إلى ذهاب أغلب الفصائل العسكرية الأخرى إلى الإلتحاق بـ"الأستانة"، لا سيما حركة "أحرار الشام" التي كانت قد خاضت مواجهة ضارية مع الهيئة في الفترة الأخيرة، ما يدفع إلى السؤال عن الخطوات التي ستقوم بها الهيئة في الأيام المقبلة، لا سيما بعد أن باتت في موقع لا يحسد عليه.

وترى هذه المصادر أن الهيئة باتت أمام خيارين لا ثالث لهما: الدخول في مواجهة مفتوحة مع كل المسار الذي بدأت تسلكه الأزمة السورية، أو الإلتحاق به من خلال حل نفسها وإبتعاد القيادات البارزة فيها عن الواجهة، والإحتمال الثاني هو الأرجح نظراً إلى قدرة الدول الداعمة لها على القيام بهذا الأمر، بالإضافة إلى إشتراك الجانب التركي في ضمان الأمن في منطقة خفض التصعيد في ادلب، وتشير إلى أن هذا الأمر سيؤدي في نهاية الأمر إلى تفجر الخلافات بين الفصائل والجبهة في حال أصرت على موقفها الحالي، مع العلم أنها كانت قد قدمت تنازلات في الفترة السابقة، من مستوى الإعلان عن إستعدادها لتسليم المدينة إلى إدارة محلية، بينما الإغتيالات اليوم تطال أبرز قيادييها.