يعتبر يوم 25 ايلول الجاري، محطة مهمة في تاريخ ​العراق​ من جهة و​الاكراد​ من جهة اخرى. ففي هذا التاريخ، من المتوقع ان يتم استفتاء عام حول استقلال اقليم ​كردستان​ عن العراق. وفي حين ان من الطبيعي توقع معارضة العراق لهذه الخطوة كونها تقوّض نفوذ السلطة العراقية من جهتها، وتقلل من مساحته من جهة ثانية، كان من المستغرب ترحيب ​اسرائيل​ ودفعها الغرب الى الاعلان عن دعم خطوة استقلال كردستان.

لم يكن العراق الوحيد المعارض لهذا الاستفتاء، بل انضمت اليه ​الولايات المتحدة​ الاميركية، و​ايران​، و​تركيا​، و​بريطانيا​ وغيرها من الدول. واذا كان من المفهوم التباعد بين الموقفين الايراني والاسرائيلي، فإن اختلاف وجهات النظر بين اسرائيل والولايات المتحدة والغرب بشكل عام بقي غامضاً. وفي محاولة لاستكشاف اسباب هذا الاختلاف، يمكن تسجيل المنفعة الكبيرة لاسرائيل بإقامة دولة كرديّة على الحدود مع ​سوريا​ والعراق، وهي تجد فيه فرصة جديدة لزعزعة الاستقرار في المنطقة، واستغلال دولة جديدة للوصول الى غاياتها، وربّما تطوير علاقاتها على الصعد التجاريّة والعسكريّة والانمائيّة.

ويمكن القول ان الدول الرافضة لهذا الاستفتاء هي المتضررة جغرافياً من نجاحه، وفي هذا الاطار يمكن قراءة الموقف التركي والايراني، حيث ستكون ​الدولة الكردية​ في حال ابصارها النور، مصدر خطر حقيقي على الاتراك، وستشعل المناطق التركية من خلال تحريك الاكراد المتواجدين فيها. وغني عن القول انه ليس من مصلحة ​أنقرة​ قيام جمهورية كردية على حدودها، مع كل ما يعنيه ذلك من "ازعاج" للاتراك، وتواجد قضية شائكة جداً على الحدود.

اما الرفض الايراني فيعود الى ان صورة ما ستكون عليه كردستان غير واضحة، وهي وان استقلّت عن العراق (في حال تمّ الامر)، فقد تكون عرضة للسير ضمن الخطّ السعودي ومع كلّ من يمكنه مضايقة الأتراك، وقد تعرقل بالتالي طموح الايرانيين وافكارهم التي يحملونها ويعملون لاجلها في المنطقة.

أمّا الاستغراب الكبير فيكمن في الموقفين الاميركي والبريطاني لجهة رفض الاستفتاء، فهو يجب ان يشكّل بالنسبة اليهما عاملاً ايجابياً لتأمين موطىء قدمٍ جديد لتعزيز النفوذ الاميركي والاوروبي في ظل الهجمة الروسية-الايرانيّة في المنطقة، كما يمكن اعتباره ايضاً منجم ذهب نظراً الى الاستثمارات التي يستطيع الطرفان الاستفادة منها في ظل التهافت الدولي على المنطقة، وبالتحديد بعد التسوية السورية التي ستلحظ استقطاب الاهتمامات من اجل اعادة الاعمار.

ولا شك ان اسرائيل ستحاول اللعب على الوتر الاميركي، من خلال محاولة اقامة علاقات مع كردستان، فترد على الوجود الايراني القريب منها، بوجود مضاد على مسافة قريبة ايضاً، ويكون بالتالي اول تواجد علني لاسرائيل في بلد مجاور، لا بل ملاصق لبلد عربي، غير ان هذه الخطوة تحتاج الى موافقة اميركية لان خطر تصاعد التوتر كبير جداً ان لم يكن مع الايرانيين فمع ​الدول العربية​ المجاورة، وهو لن يرضي الروس ولا الاتراك ولا الايرانيين، وعليه سيكون من الصعب تطبيقه علماً ان العلاقات بين ​واشنطن​ والاطراف الثلاثة المذكورة يشوبها توتر واضح، ولا يمكن الاعتماد او البناء عليها من اجل تمرير مثل هذه الصفقة التي ستحرج العراق من جهة، وستضع المنطقة على حافة مواجهة دائمة لا يمكن التنبوء بنتائجها.

ستحاول اسرائيل الاستفادة دون شك من هذا الوضع، ولكن لا يزال من المبكر القول بأن الاستفتاء سينجح، اذ ليس من السهل اقامة دولة على حدود دول اخرى غير موافقة عليها، ومع وجود رفض وازن لاقامة مثل هذه الدولة، ناهيك عن انها لن تضم جميع الاكراد لان قسماً منهم يعارض الفكرة ولا يرغب في ان يكون جزءاً منها.

ماذا سيحصل في 25 ايلول؟ كل الاحتمالات واردة، ولكن من المرجح الا نكون امام دولة جديدة في الشرق الاوسط.