بالنسبة لكثيرين، كان عقد ​مجلس الوزراء​ جلسة "استثنائية" له في يوم العطلة دليلاً على نشاطٍ غير عاديّ للحكومة، ودحضًا لكلّ الاتهامات التي تُوجَّه لها من كلّ حدبٍ وصوب بالتقصير والتقاعس عن القيام بواجباتها، وقبل هذا وذاك، بقلّة المسؤوليّة.

إلا أنّ "استثنائية" جلسة مجلس الوزراء لم تأتِ فقط لكونها عقدت يوم أحد، بل لأنّ الانتخابات النيابيّة حضرت على طاولتها من الباب العريض، ومرّةً أخرى من خارج جدول الأعمال، المرحَّل أصلاً من جلسةٍ سابقةٍ، لتنتهي الجلسة بقرارين أساسيّين، هما إقرار آلية التصويت الإلكتروني للمغتربين، بالتوازي مع ​البطاقة البيومترية​.

وفيما وُصِف القرار الأول بـ"الإنجاز"، اعتبر كثيرون أنّه أتى ليغطّي على الثاني، الذي وُصِف بـ"الفضيحة"، كونه يحمل بين طيّاته، معطوفًا على السجال المستمرّ حول التسجيل المُسبَق للناخبين، مؤشرات الذهاب نحو تمديدٍ "تقني" رابع، يرفضه الجميع في العلن، ولكنّهم يضمرونه في السرّ...

تطوير وإصلاح؟

لا شكّ بدايةً أنّ تطوير بطاقة الهوية لتصبح بيومتريّة هو أمرٌ إيجابيّ، بمُعزَلٍ عمّا إذا كانت ستُعتمَد في الانتخابات النيابيّة أم لا، بل هو يندرج في سياق "التغيير والاصلاح" الذي اختاره العهد الجديد عنوانًا له، ومن باب الأحوال الشخصية، الذي لا يشكّ اثنان بأنّ أيّ إصلاحٍ وتغيير لا بدّ وأن ينطلق منه تحديدًا حتى يكون له مفعول عمليّ.

إلا أن لا شكّ أيضًا أنّ ما حصل في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة بعيدٌ كلّ البعد عن ​التغيير والإصلاح​ المنشود، خصوصًا أنّ الاتفاق الذي رعاه مجلس الوزراء قضى بتلزيم إصدار البطاقات البيومترية بعقد رضائي قيمته حوالى 40 مليون دولار من دون العودة لادارة المناقصات، وهو ما يتعارض شكلاً ومضموناً مع قواعد المحاسبة العمومية والشفافية المطلوبة على صعيد استدراج العروض وفضّها، علمًا أنّ هذه الكلفة تتخطّى تلك المعتمدة في دولٍ أوروبيّة، كما أفادت المعلومات.

من هنا، طُرِحت علامات استفهام كثيرة عن الأسباب التي دفعت مجلس الوزراء لأخذ هذا المنحى، خصوصًا بعدما كان الاتّجاه في الفترة الأخيرة يميل نحو الاستغناء عن ​البطاقة الممغنطة​ وبدائلها واعتماد بطاقة الهوية وجواز السفر في الانتخابات، وهو الموقف الذي كان وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ يروّج له، هو الذي كاد "ينعى" البطاقة الممغنطة في أكثر من مكان. وفي حين رأى البعض أنّ ما حصل أتى نتيجة لإنهاء النقاش الحاصل حول انتخاباتٍ مبكرة ليست في صالح أحد اليوم إذا ما تقرّر الاستغناء عن "الممغنطة" بشكلٍ رسميّ، ولو أبقى رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ الفكرة مطروحة بتقدّمه باقتراح قانون معجّل مكرّر بذلك، كان البعض الآخر يضع ما حصل في سياق "صفقةٍ" سرعان ما ستتكشّف تفاصيلها، كما المستفيدون منها، وهي لا تبدو بعيدة عن سياسة "​المحاصصة​" المتعارف عليها لبنانيًا، وفق مبدأ: "مرّر لي حتى أمرّر لك".

وإذا كان مجلس الوزراء تذرّع بـ"ضيق الوقت" لتبرير المسار الذي أخذته الأمور، فإنّ الخشية أن يكون ذلك مبرّراً للوصول إلى وقتٍ يصبح فيه "ضيق الوقت" حُجّةً لتأجيل الانتخابات من جديد وبالتالي الذهاب لتمديدٍ تقني جديد للمجلس النيابي، خصوصًا أنّه سيكون على الجهات المعنيّة إصدار 3 ملايين و800 ألف بطاقة قبل أيار المقبل، مع ما ينطوي على ذلك من تبعات ومخاطر نتيجة إمكان حصول أخطاء وشوائب عديدة تحت الضغط، في وقتٍ بجب أن تتمّ مثل هذه العملية بهدوءٍ ورويّة، تفاديًا لأيّ أخطاء يمكن أن تطرأ، وتؤثر على العملية الانتخابية برمّتها، وهو ما يؤكده الخبراء الانتخابيّون، الذين يلفتون إلى أنّ الأمر يحتاج للكثير من الوقت والجهد والدقّة.

تهديد جدّي...

وبموازاة حسم موضوع اعتماد البطاقة البيومترية في الانتخابات المقبلة، والذي يبقى على الأرجح قابلاً لـ"الطعن" في أيّ وقت نتيجة مداولات الساعات الأخيرة، فإنّ موضوع التسجيل المسبق للناخبين لم يُحسم في مجلس الوزراء، ومُنحت اللجنة الوزارية المكلفة البحث بتطبيق ​قانون الانتخاب​ وقتًا إضافيًا لدرسه وتمحيصه، في ظلّ استمرار تباين الآراء ووجهات النظر بين مختلف الأفرقاء إزاءه.

والواضح أنّ الإشكالية في هذا الملفّ قائمة بين الحلفاء والأصدقاء أنفسهم قبل الخصوم، ففي حين يرفضه "​التيار الوطني الحر​" بالمُطلَق، مدعومًا من "​تيار المستقبل​"، بحجّة أنّ المطلوب تسهيل العملية على الناخبين لا تعقيدها، وحتى لا "يكشفوا" سلفاً المكان الذي ينوون الانتخاب فيه، يصرّ عليه في المقابل كلّ من "​حزب الله​" و"​حركة أمل​"، وتقف "​القوات اللبنانية​" في الوسط، رغم أنها كانت من الداعين لاقراره، ولكن كـ"بديل" عن البطاقة البيومترية، لا بموازاته، وإن ربط البعض تراجعها عن موقفها بالزيارة التي قام بها رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ إلى رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ الأسبوع الماضي.

إلا أنّ النقاش الحامي حول هذا الموضوع بالتحديد يبدو، برأي كثيرين، "مضخّمًا" و"مفتعلاً" لغايةٍ في نفس يعقوب، خصوصًا أنّ بعضالحجج التي تُعطى لرفض آليّته تثير الكثير من علامات الاستفهام، خصوصًا أنّ الخبراء يؤكّدون أنّ هذا الخيار يبقى "الأقلّ سوءًا" إن جاز التعبير بين الخيارات المتداولة، كما يمكن اعتماده ولو لمرّة واحدة في حال كان الهدف إجراء الانتخابات في موعدها، على أن يتمّ إنضاج حلّ آخر من خلال البطاقات البيومترية، ومن دون تسرّع. أما القول بأنّ مثل هذا الخيار يعقّد العملية الانتخابية فلا يبدو منطقيًا، لأنّه، على العكس من ذلك، هو الذي ينظّم العمليّة برمّتها، ومن دونه تسود "الفوضى" التي لا تحمد عقباها، سواء لجهة تجهيز ​مراكز الاقتراع​ بما تحتاجه، أو لجهة منع أيّ مواطن من الانتخاب مرّتين، مرّة في مكان السكن ومرّة في مكان القيد، فيما لو لم يفصح عن نيّته سلفاً.

تمديد رابع؟!

من البطاقة البيومترية إلى الاقتراع مكان السكن، مرورًا بما يُحكى عن تعديلاتٍ على قانون الانتخاب، منها ما هو تقني يفرضه التناقض في بعض بنوده، ومنها ما هو جوهريّ كحديث البعض عن صوتين تفضيليين بدل الصوت الواحد، يبدو أنّ الثابت واحد، وهو أنّ الطبقة السياسية تبحث عن "الإخراج" الأفضل لتأجيل الانتخابات، ولو جاهرت بانتخاباتٍ نيابيّة مبكرة وما شابهها لا يمكن أن تكون مقوّماتها متوافرة الآن لاعتباراتٍ كثيرة.

ولعلّ ما يرويه السياسيون عن "معاناتهم" مع قانون الانتخاب الجديد و"ندمهم" على إقراره يكفي للدلالة على ذلك، ومن هؤلاء النائب ​وليد جنبلاط​ الذي أقرّ بأنّ القانون "مزعج" ولكنه "واقع"، واقعٌ يبدو أنّ البعض يرفض "الاستسلام" له، مهما كان الثمن...