لا تستطيع الحكومة إطالة البحث في مصير قانون ​سلسلة الرتب والرواتب​ الذي تحاول استئخارَ تنفيذه إلى حين تأمين الموارد المالية لتغطية نفقاته بعدما أبطل ​المجلس الدستوري​ قانون ​الضرائب​ الذي حدّد هذه الموارد، فإذا لم تنفّذ السلسلة ستجد الحكومة نفسَها في مهبّ حراك مطلبي في الشارع قد لا تُحمَد عقباه، ويمكن أن يهدّد مصيرها، وهو بدأ منذ مطلع الأسبوع.

وهذه التهمة لا يمكن الحكومة عموماً، ولا رئيسها سعد الحريري خصوصاً، ان يتحمّلاها، لا سيّما في موسم الانتخابات الذي غالباً ما يتحاشى المتنافسون فيها اتّخاذ ايّ مواقف أو خطوات غير شعبية تفقِدهم التأييد الانتخابي الكبير الذي يطمحون اليه.

وفي هذا السياق يَجزم فريق كبير من السياسيين انّ الحريري لا يقلّ حماسة عن الآخرين لتنفيذ قانون سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في ​القطاع العام​، لإدراكه انّ تعطيلها او تجميدها او التراجعَ عنها يعرّضه سياسياً وشعبياً لانتكاسة كبيرة، لأنّ سهام النقدِ والاتهام ستوجَّه اليه شخصياً قبل الحكومة.

وفي هذا السياق يَرفض مرجع مصرفي كبير ما يردّده البعض ولا يزال من انّ المصارف وقفَت خلف النواب الذين طعنوا بقانون الضرائب امام المجلس الدستوري، وقبول الاخير هذا الطعن.

ويؤكّد هذا المصرفي انّ رئيس جمعية مصارف ​لبنان​ الدكتور ​جوزف طربيه​، حرصَ منذ بداية البحث في سلسلة الرتب والرواتب والموارد المالية لتغطية تكاليفها على تحييد الجمعية عن هذا الامر، لأنه شأنٌ بين الدولة وموظفيها، اي يخصّ القطاع العام فقط، ولا علاقة للقطاع الخاص عموما، و​القطاع المصرفي​ خصوصاً به، وبالتالي فإنّ مَن يقرر في هذا الشأن هو الدولة أولاً واخيراً.

ويضيف «إنّ ​جمعية المصارف​ تدخّلت وناقشَت وقدّمت افكاراً حول الضرائب التي اقترحتها الجهات المختصة في الدولة ولم تؤيّد بعض الضرائب التي وجدت فيها ما يؤثّر سلباً على الاستثمارات التي يَحرص الجميع على تعزيزها وتشجيعها لِما لها من اهمّية في تدعيم وتقوية ​الاقتصاد اللبناني​ والوضع المالي العام في البلاد».

ويَدحض هذا المصرفي الكبير ما شاع من انّ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل تواطأ مع المصارف لإسقاط القانون الضريبي من خلال قرار المجلس الدستوري وأنّه ستكون له «مكافأة حرزانة».

ويؤكّد انّه لم يكن هناك ايّ تواصُل بين جمعية المصارف، او ايّ جهة مصرفية، وبين الجميّل والنواب الآخرين الذين طعنوا بالقانون الضريبي، فالجميّل تحرّكَ من تلقائه محاولاً تفعيلَ حضور حزبه سياسياً وشعبياً، خصوصاً وأنّه مقبلٌ على خوض الانتخابات النيابية ويَطمح للفوز بما أمكنَه من مقاعد نيابية، ولذلك لم يجد غضاضةً في رفعِ الصوت المعارض للقانون الضريبي مستفيداً من بعض الثغرات القانونية فيه، فضلاً عن فتحِ ملفات يعتقد انّها تفيده في معركته الانتخابية.

وفي هذا الاطار يقول سياسيون انّ الجميّل يطمح الى تكبير كتلة الكتائب النيابية او في الحد الادنى الحفاظ على ما هي عليه الآن، خصوصاً انه يشعر بأنّ حزبه قد يكون مستهدفاً في الانتخابات المقبلة في ضوء التفاهم الذي حصل بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» على رغم ما بدأ يعتريه من إشكالات، وكذلك بين «التيار» و«المستقبل» حيث يتّجهان الى التحالف انتخابياً في كثير من الدوائر، الأمر الذي قد يكون على حساب مرشّحي حزب الكتائب، خصوصاً بعد استبعاده من المشاركة في الحكومة الحالية لمصلحة «القوات»، بعدما كان يشارك بثلاثة وزراء في الحكومة السابقة.

على انّ المرجع المصرفي نفسَه يؤكد ان ليس بهذه البساطة يتمّ إقناع المصارف بمساهمة مالية في مشروعٍ ما، بدليل انّ هبة الخمسة عشر مليار ليرة التي قدّمتها المصارف للجيش لم يتمّ جمعُها بسهولة، وهي هبة قدِّمت لمؤسّسة وطنية كبرى وأساسية وحيوية بالنسبة الى البلد وأمنِه، ما يعني انّ جَمع ايِّ مبلغ مالي من المصارف لتقديمه مكافأةً لجهة او لحزب او غيره ليس بالأمر السهل.

ويؤكد المرجع ايضاً انّ القطاع المصرفي اعترَض منذ بداية البحث في الضرائب المطلوبة لتمويل السلسلة او تلك المتصلة ب​الموازنة​ العامة للدولة، على 29 ضريبة طرحَتها الدولة، لأنه تبيّن أنّ هذه الضرائب ليست سهلة التحصيل، او انّها لا تأخذ واقعَ القطاع المستهدف بها في الاعتبار، فمثلاً كيف يمكن فرضُ ضريبة املاك مبنية، وفي الوقت نفسِه ضريبة على الارباح المتأتّية من بيع الشقق في مشروع سكني لم يكتمل بناؤه بعد او لم تُباع ايّ شقّة فيه بعد، وفي الوقت نفسه على اصحابه أن يسدّدوا فواتير كلفة البناء في مختلف مجالاته.

كذلك، يضيف المرجع المصرفي، متسائلاً: «كيف يمكن فرضُ ضريبة على فوائد الودائع في المصارف والتي يستفيد المودعون منها مباشرةً، فيما تستفيد المصارف بنسبة ضئيلة جداً من هذه الفوائد، في الوقت الذي تتقاضى الدولة الضريبة على الارباح التي يحققها كلّ مصرف سنوياً.

ثمّ إنه في حال حصَل ايّ نزاع قضائي بين الدولة ومؤسسات مصرفية أو بين الدولة ومواطنين مودعين على موضوع الضريبة على الفوائد، ما الذي يمنع من ان يتطوّر النزاع الى تهديد نظام السرّية المصرفية الذي يتمتع به لبنان، خصوصاً اذا طلبَت الجهات القضائية مثلاً رفعَ السرّيةِ عن حسابات هذا المودع أو ذاك سواء كان شخصاً او شركة، لتحديد الضريبة على هذه الحسابات وعلى الفوائد التي يحصل عليها اصحابها.

وينبّه المرجع المصرفي ختاماً الى «انّ الإساءة او التعرض للقطاع المصرفي بأيّ إجراء غير محسوب، يمكن ان يعرّض سمعة لبنان المالية، ويؤثّر سلباً على الاستثمارات المحلية والاجنبية، خصوصاً انّ بعض الضرائب المطروحة التي ورَدت في القانون الضريبي الذي أسقطه المجلس الدستوري من شأنها ان تعرّضَ القطاع الاستثماري لانتكاسات، فيما المطلوب تشجيع الاستثمارات وابتكار ايّ وسيلة تنفع في هذا المضمار.