أما وقد نفّذ إقليم ​كردستان​ ​العراق​ الاستفتاء حول الانفصال عن الدولة الأمّ، وأخرجت نتيجة تقرّب من الإجماع على طلب الانفصال، فإنّ أسئلة خطيرة باتت تواجه العراق والمنطقة والعالم حول هذا الحدث، وعن القرار التالي الذي سيعقبه والتداعيات التي ستترتّب عليه.

في البدء لا بدّ أن نذكر بأنّ المسألة الكردية هي مسألة إقليمية دولية تتعدّى في واقعها وتأثيرها العراق إلى دول أخرى ثلاث، حيث للأكراد وجود بحجم لا يُستهان به بدءاً ب​تركيا​ التي يشكّل الكرد خمس سكانها 17 مليوناً إلى ​إيران​ التي يشكل ​الأكراد​ عشر سكانها 8 ملايين إلى سورية التي يشكل الأكراد ما يكاد يصل إلى عشر السكان مليونين ، بالإضافة طبعاً الى ​أكراد العراق​ 5 ملايين تقريباً . فتلامس الكتلة الكردية في كامل الإقليم الـ 32 مليوناً تقريباً.

أما الإقليم الجغرافي للأكراد الموجودين في الدول الأربع فهو إقليم متصل تجزّئه الحدود السياسية بين الدول التي يقيمون فيها وتجمعهم جغرافيا واحدة ذات طبيعة جبلية في معظمها فيها ثروة نفطية وثروات طبيعية أخرى لا يُستهان بها فضلاً عن اتصالهم بشريانَيْ الماء الرئيسيّين دجلة والفرات. لكن هذا الإقليم لا يتصل بأيّ منفذ بحري على أيّ من البحار الثلاثة القريبة منه قزوين الأسود المتوسط ما يجعله إقليماً داخلياً واهناً عرضة للحصار لعدم اتصاله بفضاء أو مياه دولية ويكون اتصاله بالخارج رهناً بقرارات الدول الأربع الآنفة الذكر.

وبالتالي، ومهما قيل عن دعم خارجي، فإنّ إجماع الدول الأربع على رفض الحالة الانفصالية للأكراد في العراق، أو في أيّ من الدول الأربع، من شأنه أن يجعل أيّ كيان مستقلّ للأكراد فيها كياناً غير قابل للحياة، مهما كان الدعم الخارجي له، وبالتالي فإنّ المدخل الرئيسي لمدّ الإقليم الانفصالي بأسباب الحياة هو إحداث ثغرة في الطوق الإقليمي حوله على الأقلّ دولة واحدة . وهذا لا يبدو حتى اللحظة متوفراً أقله في الظاهر المعلن مع خشية لدى البعض بأن يكون في الخفاء ما يثير ريبة الآخرين.

لكننا، ووفقاً للمعطيات الظاهرة وللرفض القاطع من الدول الأربع لكيان كردي انفصالي، نقول بأنّ هذا الكيان الذي يسعى إليه مسؤولون في ​إقليم كردستان​ العراق هو كيان غير قابل للحياة. وهنا يُطرح السؤال: إذن لماذا يُصرّ أصحاب الشأن على ارتكاب حماقة يعلمون أنها لن تقوم عملياً بشكل صحيح وتستمرّ؟

مَن تابع مجريات ما قبل الاستفتاء وما أظهرته الوقائع أثناء الاستفتاء، يجد أنّ العملية وخطة الانفصال برمّتها إنما هما قرار صهيوني اتخذته ​إسرائيل​ متكئة على قرار أميركي معلن منذ عقد تقريباً تضمّن خطة لتقسيم العراق إلى ثلاث دول كردية وسنية وشيعية يكون مقدّمة لتقسيم دول غربي آسيا الأخرى خاصة سورية والسعودية ولإنشاء دول الطوائف والإثنيات المتناحرة التي تريح إسرائيل وتجعلها مديرة للصراعات بدلاً من أن تكون طرفاً مباشراً فيها. إذن إنّ الغاية الأساسية من العملية الانفصالية الكردية ليست إقامة دولة للأكراد تكون نواة لدولة الـ32 مليون كردي، بل هي مدخل إلى عدم استقرار المنطقة ودفعها إلى نزاعات تديرها إسرائيل كما أدار برنارد هنري ليفي الاستفتاء الفولكلوري المحدّد النتائج سلفاً في 25 أيلول الحالي.

اذن إنّ الخطة الإسرائيلية المتقاطعة والمستندة إلى الخطة الأميركية القائمة على نظرية الفوضى الخلاقة المعلنة منذ العام 2006، والمتضمّنة آلية تقسيم المنطقة، إنّ هذه الخطة ترمي إلى استمرار الحرب الإرهابية التي شنّت على المنطقة منذ العام 2010 بعد أن فشلت تلك الحرب في إسقاط المنطقة، وتأتي أيضاً تطبيقاً لما جاء في المفهوم الاستراتيجي للحلف الأطلسي المعمول به منذ العام 2010، والنافذ حتى العام 2020 والرامي إلى إنتاج الأزمات والصراعات في منطقة ​الشرق الأوسط​ وإدارتها من دون فتح جبهات تُلزم الحلف بزجّ الجيوش التقليدية فيها.

أمام هذه الحقيقة يُطرح السؤال الكبير كيف يكون على الدول الأربع المعنية مباشرة بالأمر أن تتصرّف دفاعاً عن ذاتها ووحدتها وأمنها واستقرارها واستقرار المنطقة؟

في العلم العسكري يكون الدفاع ناجحاً، إذا تمكّن المدافع من معرفة أهداف المهاجم ومنعه من تحقيقها. وفي القضية الراهنة أنّ هدف المعتدي واضح وهو زجّ المنطقة في الفتن ودفعها للصراعات وإسقاطها وتدميرها وقتل شعوبها بأيدي أبنائها يخرّبون بيوتهم بأيديهم من دون أن تتحمّل إسرائيل أو أميركا أيّ كلفة او ثمن في ذلك.

لهذا يكون الدفاع المجدي الناجح متمثلاً في عدم الدخول في الصراعات ومنع تشكل البيئة التي تستدرج المنطقة إليها. أما التطبيق والتنفيذ فإنه يكون على وجه من اثنين لا ثالث لهما:

1 ـ العمل العسكري الحاسم، والذي بمقتضاه تساهم الدول الأربع بتشكيل قوة عسكرية ملائمة لمعاجلة الحالة الانفصالية الكردية في ​شمال العراق​ وقطع الطريق على الحالة الانفصالية التي تتشكل برعاية أميركية في سورية، عملية تكون بمثابة حرب استباقية لدفع الخطر الانفصالي عن إيران وتركيا. عملية عسكرية تزجّ فيها القوى الكافية والمركبة من جيوش تقليدية من الدول الأربع وقوى عسكرية رديفة أثبتت جدواها في العراق وسورية، ويكون الجميع بقيادة عراقية احتراماً لسيادة العراق وقطع الطريق على أيّ أحلام إقليمية للتوسّع والهيمنة. ويجب أن تكون العملية سريعة تحسم الأمور فيها بأيام لا تُعطي مجالاً لتدخل دولي مهما كانت طبيعته.

2 ـ العمل غير العسكري من الخارج، مع تشجيع الرفض الداخلي. وهذا يعني العزل والحصار والمقاطعة المنسّقة بين الدول الأربع. وهو أمر سهل يسير من شأنه أن يخنق الكيان الانفصالي ويدفع سكانه للثورة ضدّ الطبقة السياسية العميلة للصهيوني وإسقاطها، بخاصة أنّ رئيس كردستان ​مسعود البرزاني​ موجود في السلطة الآن بشكل غير شرعي بعد مضيّ سنتين على ولايته الأصلية وعندها يتمّ اختيار قيادة سياسية كردية وطنية وحدوية ترفض الانفصال.

إنّ أحد هذين الحلين كفيل بمعالجة الخطر الداهم، وشرطه السرعة في المبادرة والسرعة في التنفيذ المنسّق. فخطر الكيان الانفصالي الكردي لا يقلّ عن خطر الحرب الإرهابية التي استهدفت سورية والعراق والمنطقة، إن لم يكن أشدّ، ما يستوجب لقاء الدول الأربع مباشرة أو غير مباشرة والمسارعة للعمل المنسّق دونما إبطاء، وإلا وقع المحظور وعندها سننتظر 7 سنوات أُخَر إنْ لم يكن أكثر من سنوات القتال وعدم الاستقرار في غرب آسيا كلها، ومنها الى دول الجوار الأفريقي والآسيوي أيضاً، تضيع خلالها كلياً قضية ​فلسطين​ وتثبت إسرائيل نفسها قائدة للمنطقة، وفقاً لما حلم به شمعون بيرس في طرحه ​الشرق الأوسط الجديد​ …