خرج الوزير السعودي السفير المطرود من ​العراق​ والمتجوّل تحت عنوان وزير دولة لشؤون الخليج، خرج بتغريدة يدعو فيها الى تحالف دولي لمواجهة ​حزب الله​ بعد أن نعته بأبشع النعوت، ولاقاه بعد أيام الناطق باسم الخارجية الأميركية الذي دعا العالم للانضمام إلى ​أميركا​ في مواجهة حزب الله، اما الوزير «الإسرائيلي» للحرب بتسميتهم وزير دفاع أسهب في تصوّره للحرب المقبلة في المنطقة، معتبراً أنها حرب واسعة تشمل لبنان وسورية و​قطاع غزة​ وستكون في لبنان ضدّ حزب الله و​الجيش اللبناني​ معاً.

بهذه المواقف المتزامنة والمتطابقة يبدو أنّ الحلف الذي كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة وعن دوره في العدوان على سورية، هذا الحلف بدأ الإعداد لتنفيذ خطة حرب جديدة تخلف الحرب التي باتت في أسابيعها الأخيرة في سورية، وهنا يُطرح السؤال: لماذا قرعُ طبول الحرب بهذا العنف والتوتر أولاً، ثم هل الحرب ستقع فعلياً، وما هو المتوقع منها وبعدها؟

في البدء نرى أن سبب قرع طبول الحرب مرتبط بالحرب على سورية والنتائج التي تمخضت عنها، إذ بات مفضوحاً، كما أعلن السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، أنّ تلك الحرب كانت تنفيذاً لمشروع أميركي سعودي خدمة للمصالح «الإسرائيلية»، حرب ابتغت إسقاط سورية وإسقاط محور المقاومة والإجهاز على رأس الحربة فيه حزب الله. لكن سبع سنوات من القتال المرير الذي زجّت فيه قوى تعدّت الـ 160 ألف مسلّح مارسوا أبشع أنواع الجرائم وُدعموا واحتُضنوا بما أسمي «أصدقاء سورية» الذين تجاوز عددهم الـ 100 دولة، أنّ كلّ ذلك لم يحقّق الأهداف المطلوبة، لا بل تحقّق عكسها، فبدلاً من أن يسقط المحور ويجتث حزب الله، انتصر المحور وتنامت فعاليته أما حزب الله فقد تعملق وانتقل من كونه قوة لبنانية تعمل على أرض لبنان في مواجهة «إسرائيل»، الى حقيقة مؤكدة اليوم بأنه قوة إقليمية مؤثرة لا يمكن لطرف محلي أو إقليمي منفرد أن يواجهها، كما بات يتردّد في الأروقة المعنية.

إنّ هزيمة المحور الأميركي السعودي «الإسرائيلي» في سورية التي باتت حقيقة واقتراب إسدال الستار على إرهابه، والخشية من محور المقاومة بعد الانتصار، والخشية من استثمار محور المقاومة للانتصار والخشية من مفاعيل الهزيمة على مكوّنات المحور الفاشل في حربه، ومن أجل حجب انتصار المنتصر وتعطيل مفاعيله، وحجب هزيمة المهزوم ومنعها من التفاعل في المنطقة والتأثير على مصالح أصحابها، إنّ كلّ ذلك دفع بمكوّنات المحور المعتدي الثلاثية الى قرع طبول الحرب لإشغال محور المقاومة عن نصره ولإرباكه في مرحلة ما بعد النصر ولابتزازه في العملية السياسية التي ستُفتح ملفاتها ما أن تطوي الحرب أسلحتها.

لقد جرّبت أميركا والسعودية ومعهما «إسرائيل»، بدعة التنظيمات الإرهابية لمواجهة محور المقاومة فاستقدمت ​تنظيم القاعدة​ من ​أفغانستان​ إلى سورية والعراق وجعلته يفرّخ ويتفرّع فيهما منشئاً ​جبهة النصرة​ و«داعش» وظنّوا أنّ هذين التنظيمين كافيان لمواجهة المقاومة أو على الأقلّ لإقامة التوازن الاستراتيجي معها ونقل خطوط النار والمواجهة من الحدود مع الكيان الصهيوني القائم مغتصباً ​فلسطين​ الى داخل سورية والعراق، بعيداً عن «إسرائيل». لكن نتائج 7 سنوات من المواجهة أثبتت أنّ المنتجات الإرهابية الوهابية الأميركية عاجزة عن تحقيق المُراد منها وعاجزة أمام قوة حزب الله المقاوم، وأنّ وجودها منح فرصة للمقاومة، لأن تكتسب خبرات وتتنامى وتستعمل فائض القوة هذا من أجل تعزيز معادلة الردع الاستراتيجي مع «إسرائيل»، لا بل وتهدّد بنقل المعركة إنْ وقعت الحرب إلى فلسطين المحتلة لأول مرة منذ العام 1948 تاريخ اغتصاب فلسطين. لكلّ ذلك يبدو انّ المثلث العدواني هذا أميركا «إسرائيل» السعودية اضطر للعودة للتهديد بقوته العسكرية وجيوشه وقرع طبول الحرب الواسعة والشاملة وفتح ثلاث جبهات فيها لمواجهة المقاومة وحلفائها بالجيوش التقليدية التي ظنّت أنها نُحّيت عن المواجهة بوجود داعش والنصرة. فهل ستقع الحرب فعلاً؟

في القواعد الحاكمة في قانون القتال والحروب والنزاعات المسلحة، يقال بأنّ الحرب تقع عندما تهيأ شروطها ومستلزماتها ويضمن النصر واستثماره فيها مع الجهوز لدفع كلفة النصر وثمنه وتحمّل ردة فعل العدو، ويُبتدَع سبب مباشر لاندلاعها. والصخب قد يُعمل به في اتجاهين: الأول يكون استهلاكاً إعلامياً ونفسياً لتحقيق مكاسب من غير حرب، ولذا يُقال من كثر تهديده بالحرب وارتفع صوته محذراً منها، لا يبادر إليها. أما الثاني فقد يكون من أجل تهيئة الرأي العام وتبرير الحرب إذا ذهب إليها وحشد الحلفاء الذين يُخيفهم بمخاطر عدوه، فإذا نجح بصخبه وصراخه في توفير ذلك ذهب إلى الحرب. وفي الحالة الراهنة نتوقف عند العناصر التالية التي تقودنا إلى الجواب أو الاستنتاج:

1 ـ إنّ الحرب الذي يهوّل بها ستكون حرب جيوش تقليدية أساساً ضدّ مقاومة وبعض التشكيلات التي قد تكون من جيوش تقليدية، وبالتالي إنّ المقاومة التي ستكون العمود الفقري للدفاع ستكون بما تملك من قدرات وليونة ومرونة المناورة وزئبقيتها قادرة على منع حسم الحرب من قبل المعتدي مهما زجّ في الميدان من قوى.

2 ـ إنّ معسكر الدفاع يملك من القدرات العسكرية ما يجعله قادراً على وضع كامل الكيان الصهيوني و85 قاعدة عسكرية أميركية وكامل آبار النفط في السعودية في دائرة فعالية كتلته الصاروخية، فإذا كانت «إسرائيل» مربكة حتى اللحظة بحلّ مسألة خزانات «الأمونيا»، فكيف سيكون الحال مع الأهداف الاستراتيجية التي ذكرت؟

3 ـ إنّ المقاومة احترفت العمل باستراتيجية التعطيل السلبي لأسلحة العدو عبر عدم تشكيل الهدف الدسم أو الثمين الذي يبرّر استعمال التقنيات العالية. وهذا الأمر سيؤثر كثيراً على مسار المعارك، حيث سيخرج منها أهمّ ما يفاخر به العدو من سلاح.

4 ـ إنّ المقاومة قادرة على مشاغلة جبهات متعدّدة بقوات محدودة الحجم، لذلك لن يكون للعدد دور أساسي كبير في المواجهة المسلحة، خاصة وقد أثبتت التجارب الأخيرة ومنذ العام 2006 كيف أنّ الأرض بذاتها تتحوّل سلاحاً حامياً إذا أحسن استعمالها وتهيئتها. وقد حصل.

5 ـ إنّ الرأي العام العالمي بشكل عام، والإقليمي بشكل خاص، غير مهيّأ لمواكبة أكاذيب مثلث العدوان وتصديقها، خاصة أنّ الأحلاف العسكرية التدميرية التي ركبت في العقود الأخيرة جميعها كانت قائمة على الكذب والتلفيق، وجميعها قادت إلى التدمير من غير سبب إلا وحشية أصحابها وإجرامهم.

لكلّ هذه الأسباب، ولغيرها التي لا يناسب المقام للغوص فيها على أهميتها، ويكون تجاوز ذكرها اليوم أفضل، نستطيع أن نقول إنّ طبول الحرب التي تقرع الآن هي طبول ضغط وابتزاز، وليست تمهيداً لحرب فعلية ستقع. هذا هو الرأي الراجح عندنا، ولكن وبما أنّ العسكري عليه أن يعمل بالاحتياط ويقدّر الحال على الفرض الأسوأ، فإننا نترك مساحة ضيقة لا تتجاوز الـ 5 في المئة للحظة جنون أو هستيريا أو عمى استراتيجي تنتاب أحد مكوّنات مثلث طبول الحرب، فيقدح نار حرب تتدحرج سريعاً وتلتهم مصالح الغرب و«إسرائيل» ومعها السعودية التي امتهنت التخبّط بالفشل والهزائم من العراق إلى سورية و​اليمن​.