يبدو أن الساحة السورية تتحضر لشكل جديد من الصراع بعد الإنتهاء من معركتي الرقة ودير الزور، تتداخل فيه العوامل الإقليمية والدولية بشكل غير مسبوق، نظراً إلى أن الجميع بات يتحضر لمرحلة التسوية السياسية، بعيداً عن الصراعات العسكرية الكبيرة، وهو ما ظهر من خلال الموقف التركي من عملية إدلب في البداية، ومن ثم عبر زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان إلى الرقة.
وفي حين كان الحديث عن إتفاق بالخطوط العريضة بين الجانبين الروسي والأميركي، بعد اللقاء الشهير بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، يبدو أن التنافس سيكون هو الصفة الطاغية على المرحلة المقبلة، لا سيما بعد التسابق في السيطرة على حقول النفط في دير الزور، الذي ظهر في الأيام الماضية، من خلال العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري مدعوماً من موسكو، وتلك التي تقوم بها "قوات سوريا الديمقراطية" مدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، لكن ذلك لا يمنع الحديث عن معارك جانبية قد تظر في الطريق إلى طاولة المفاوضات.
في هذا السياق، تشرح مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن الطريقة التي قررت فيها الحكومة التركية تنفيذ إتفاق تخفيف التصعيد في إدلب لم تحظَ برضا كل من إيران وروسيا وسوريا، نظراً إلى أن المطلوب كان محاربة جبهة "النصرة" الإرهابية لا الدخول في تفاهمات لم تتضح معالمها بعد، لكن يبدو أن أنقرة حددت هدفها في محاصرة مقاطعة عفرين التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، بالرغم من التواجد الروسي فيها.
بالإضافة إلى ذلك، تشير المصادر نفسها إلى أن إعلان مسؤول "لواء الشمال الديمقراطي"، التابع لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، أبو عمر الإدلبي، عن الذهاب إلى تشكيل "مجلس إدلب العسكري" أمر بالغ الأهمية، خصوصاً أنه أرفق ذلك بالحديث عن أن الهدف هو محاربة "الاحتلال" التركي و"القاعدة" المصنفة على لائحة المنظمات الإرهابيّة.
بالتزامن مع هذا الصراع حول الساحة الإدلبية، تشير هذه المصادر إلى تنافس بين الأكراد والأتراك حول تل رفعت أيضاً، في ظل الحديث عن مفاوضات بين أنقرة وموسكو حول هذه المدينة بريف حلب الشمالي، حيث أن "قوات سوريا الديمقراطية" لجأت إلى الإستعانة بالجانب الروسي لتأمين حمايتها من أي عملية عسكرية قد تقوم بها فصائل المعارضة المتحالفة مع الجانب التركي.
وفي حين لا يزال من المبكر الحديث عن الوصول إلى إتفاق حول تل رفعت، يبدو أن أنقرة مصرة على سيطرة حلفائها على هذه المنطقة، بهدف إبعاد "قوات سوريا الديمقراطية" عنها من جهة، والعمل على إعادة أعداد من النازحين السوريين المتواجدين في أراضيها إليها، الأمر الذي من غير الممكن أن يوافق عليه الأكراد في ظل الأوضاع الحالية، بالرغم من المعلومات التي تحدثت عن إنسحابها من المنطقة بعد تسليمها إلى الروس.
من جهة ثانية، وضعت المعارك الدائرة في دير الزور وريفها العلاقة بين دمشق والأكراد على طاولة البحث، خصوصاً بعدما تبين أن الجانب الأميركي يؤمن الغطاء لـ"قوات سوريا الديمقراطية" للسيطرة على حقول النفط فيها، بالإضافة إلى سدود المياه والأراضي الزراعية الواقعة تحت سيطرتها، وهو ما بات يتم الترويج له بمصطلح" سوريا المفيدة إقتصادياً" بعد أن كان يتم الحديث عن سيطرة دمشق على "سوريا المفيدة عسكرياً".
وفي حين تلفت المصادر المطلعة، على هذا الصعيد، إلى الصراع الأميركي-الإيراني في هذه الرقعة الجغرافية، في إشارة إلى رغبة واشنطن في منع طهران من تأمين طريق بري، على الحدود السورية العراقية، قادر على تأمين إمدادتها حتى العاصمة اللبنانية بيروت، توضح أن الأزمة في شقها السياسي لن تتأخر في التصاعد، بسبب تباين المشاريع التي يحملها كل فريق، خصوصاً في ظل رفع الأكراد شعار الدولة الفيدرالية ورفض دمشق هذا الأمر بشكل مطلق، مع العلم أن موسكو تسعى إلى رعاية حوار بين الجانبين، يوصل إلى نتائج إيجابية بعيداً عن المعارك العسكرية.
في المحصلة، بعد تحرير الرقة ودير الزور لن يكون أي فريق قادر على تبرير معاركه بعنوان: "محاربة الإرهاب"، الأمر الذي يعيد المعارك السياسية والعسكرية إلى عنوانها الأساسي، أي الصراع على النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية في الساحة السورية.