هو زمن القواتيين. لا بل هو زمنُهم منذ زمن. بكثيرٍ من التحكُّم يمضي أبناء ​معراب​ في السلطة. هو تحكُمٌ عن كثبٍ وبُعد. يعرفون جيدًا أنهم "بيضة" القبّان في الساحة المسيحية طالما أن الكتائبيين معتكفون وماضون في معارضتهم بغض النظر عن جدواها.

أتقن القواتيون اللعبة بعد انقضاء أشهرٍ على تمرّغهم في اللعبة الحكومية. قبضوا على مفاتيح المكان والزمان قبل أن يهددوا بالخروج وإقفال الأبواب خلفهم مع احتفاظهم بعلاّقة المفاتيح. في الأساس أجادوا رسم الخطوط العريضة لعودتهم الى السلطة التنفيذية: اختيار حكيم من "الحكيم" لثلاثة وزراء من ذوي الكفاءة والكفاية. إصرارٌ حكيم من "الحكيم" على حقائب بارزة تطلّب إسنادُها الى معراب تنازلاتٍ جمّة من الرئاستين الأولى والثالثة. فصلٌ حكيم من "الحكيم" بين تفاهم معراب والملفات المعروضة على طاولة البحث خلافًا لما راهن عليه كثيرون من تماهٍ وذوبانٍ كليَّين بين الحليفين حديثَي العهد في حداثة العهد.

الأكثر وضوحًا...

اليوم، يبدو القواتيون الأكثر وضوحًا في خياراتهم الحكومية. سلاحُهم أنهم قادرون على المعارضة من قلب السلطة لا من خارجها على شاكلة ما يعتبره كثيرون "جعجعة كتائبيّة". ليس خيارُ الاستقالة بعيدًا من معراب ولو أنّ تبنّيه لن يكون بهذه السهولة والبساطة أقله ليس قبل عودة رئيس الحزب من أستراليا، وفي انتظار اختمار اتصالاتٍ مع الحليف والشريك الماروني الذي يشكّل في العمق أحد الأسباب الجوهريّة لفرضية الاستقالة القواتية.

عينٌ حمراء

تحمرُّ العينُ القواتية أكثر فأكثر من المقاربة العونية لملفاتٍ مفصليّة جمّة. ربّما يغالي القواتيون في حركتهم وهو ما يدفع كثيرين الى الغمز من قناة المناورة لجذب الانتباه لا أكثر، خصوصًا أن رئاسة الحكومة لم تُبلّغ بأي نيّةٍ من هذا القبيل، وتتلقف كسواها من المراقبين كلامًا إعلاميًا

عن "نوايا استقالة" وعن احتمالاتٍ واردة أمام معراب. تتبدّد بعض الشكوك عندما يخرج سمير جعجع نفسه من أستراليا مؤكدًا أن استقالة وزرائه واردة، من دون أن يخدش تفاهم معراب الذي حرص طوال جولته على تلميع صورته رغم كل الاهتزازات، فيجد لنفسه "النظام السوري" خير شمّاعة.

حنكة جعجع

يدرك جعجع بحنكته التي أخرجته من السجن وأوصلته الى ما هو عليه اليوم تشريعيًا وتنفيذيًا وحتى رئاسيًا أن مثل هذه الممجوجات المرتبطة بنظام الرئيس بشار الأسد ما عادت تجدي نفعًا وما عادت تُطعِم خبزًا ولا تحيي أمواتًا من القبور أو تشدّ عصب قاعدة، خصوصًا في ظلّ اقتناع المجتمع الدولي نفسه ببقاء الأسد في منصبه. وأبعد من ذلك، يعلم الحكيم وكوادر دائرته الضيقة أن مثل هذه الأحجية تبقى أقلّ نُجعًا من تلك التي يعتبرونها ذريعة في يد حزب الله للإبقاء على سلاحه والمتجسّدة في خطر العدو الإسرائيلي.

فوضى خيارات

اليوم، ورغم قوّة التحكم القواتية، تبدو المشهدية بالنسبة الى من يقيّم ويقوّم من الخارج أشبه بفوضى قد تفضي الى استصلاح أو خراب. هي فوضى خيارات تُغرِق معراب في حساباتٍ عميقة تتجلى على شاكلة أسئلة "وجودية" جوهرية: أنصمدُ في تفاهمنا مع التيار الى ما بعد انتخابات 2018 عسانا نجني بعض المكاسب؟ أنواصل انفتاحَنا على الكتائبيين بعد زيارة السعودية أخيرًا وانتصار العدالة لقضيّتنا المشتركة: الرئيس الشهيد بشير الجميل؟ أيناسبُنا أن نكون في صفوف المعارضة بعد بلوغنا السلطة بثلاثة وزراء؟ هل انكسرت الجرّة الانتخابية مع التيار بعد ترشيحات رسمية في جبيل والبترون وجزين؟ وماذا عن تيار المردة الذي يُمسَح عن علاقتنا به غبار حرب؟

حبّ مستحيل

كلّ تلك الأسئلة/الفرضيات تجعل من القواتيين في دائرة الضوء مع "نقزةٍ" عونية من أي خطوةٍ كفيلة بإعادة الحقد الظاهري الى ما كان عليه في حال التسليم بأن الحقد الباطني لا يمكن

أن يمحوه تفاهمٌ أو اتفاق... بعضُ الأجوبة عن تلك التساؤلات تتخذ شكل "الملامح" لإثلاج قلب الحليف، كتشديد على متانة التحالف في غير مناسبة، واستبعاد أي شراكة مع الكتائبيين لا بل المضي في محاربتهم انتخابيًا في المتن بتحالفٍ قد يكون الأيتم بين الرابية ومعراب، وعودة عن التلويح بمغادرة الساحة الحكومية وجعلها ورقة يمكن استخدامها من باب الضغط لا أكثر... كلّ ذلك لن يشفي غليل السائلين طالما أن في الأفق قطبةً مخفية عما يمكن أن يجمع أبناء بشري وبنشعي. على قاعدة "بعد العاصفة طقسٌ جميل" أي بعد الإهانة غير المتعمّدة اعتذارٌ ومصالحة، قد ترسم العلاقة بين القوات والمردة "صراطها المستقيم"، لا سيّما أن النوايا موجودة ومقاربة سمير جعجع الواعية لمجزرة إهدن على أنها "ساعة تخلٍّ" قد تقول أكثر من المتوقّع بالنسبة الى "حبٍّ مستحيل" دونه ذكرياتٌ مؤلمة وحقدٌ دفين ونواصٍ مضرّجة.

ساعتا تخلٍّ

ببساطةٍ هي ساعة التخلي الأولى التي أقرّ بها القواتيون على لسان قائدهم، فهل ترتسم في معراب ساعتا تخلٍّ أخرى: أولاهما المغامرة بالشراكة المسيحية التاريخية التي حلف الفريقان أمام الله ونفسيهما على جعلها أشبه بزواج ماروني سرمدي، وثانيتهما المغامرة بالحكومة في ظروفٍ غير مؤاتية وعشية انتخاباتٍ غير واضحة المعالم سواء لجهة القانون أم التحالفات؟