طرحت جملة الضغوط التي مارستها «القوات اللبنانية» في الأيام الماضية، من باب التلويح بالاستقالة من الحكومة، مروحة واسعة من التساؤلات حول توقيت ومرامي هذا القرار، سيما وأن لبنان يمر في ظرف دقيق نتيجة التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة، إن على المستوى السياسي أو الميداني، وهو ما يتطلب مناخات هادئة تمكن المسؤولين في لبنان من وضع الأطر المناسبة والآليات التي تحصن الساحة الداخلية وتجنب البلد آثار أية رياح عاتية.

وإذا كان من حق أي فريق سياسي استخدام الأوراق التي يظن انها تُعزّز موقعه السياسي وترفع من مستوى مكاسبه، إن في الحكومة أو ​المجلس النيابي​، فإن ذلك لا يعني ان في مقدور أي طرف قلب الطاولة لتحقيق مصالح خاصة على حساب خراب البلد، خصوصا وأن القاصي والداني يعلم ان استخدام ورقة الاستقالة من الحكومة جاء بعد فقدان الأمل في تحقيق المقايضة بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» في بعض التعيينات، لا سيما في ما خص ​تلفزيون لبنان​ و​الوكالة الوطنية للاعلام​.

وفي تقدير مصادر متابعة ان أصحاب فكرة التلويح بالاستقالة في «القوات اللبنانية» يُدركون جيدا بأن مثل هذا الطرح لن يُكتب له النجاح في هذه المرحلة، وفي حال تمّ ذلك فإنه لن يضيف إلى رصيد «القوات» شيئاً سوى شد عصب المحازبين على خط الانتخابات النيابية، وهذا الأمر لا يتطلب تحقيقه الاقدام على خطوة بحجم خطوة الاستقالة من الحكومة، وفي المقابل فإن حصول ذلك أيضاً لن يؤثر على الحكومة ولن يؤدي إلى تطييرها أو فرطها على اعتبار ان المكونات الطائفية الموجودة في داخلها كافية ووافية لإبقائها على قيد الحياة.

وفي تقدير المصادر، ان لا قرار جاهزاً لدى «القوات» للذهاب إلى نهاية الطريق في ما خص الاستقالة، وأن ما قيل في هذا الإطار لا يخرج عن كونه مناورة سياسية تصب في خانة محاولة تعزيز الوجود «القواتي» داخل الحكومة والمشاركة في القرارات التي تخص المجتمع المسيحي لا سيما على مستوى التعيينات والمناقلات والتشكيلات وما إلى ذلك من مواضيع تشكّل قوة دفع للقائمين بها على مستوى الحضور السياسي والشعبي، سيما وأن الاستحقاق النيابي بدأ يطرق الأبواب، وأن خوض غمار هذه المعركة يتطلب شحذ الهمم على كافة المستويات. وتسأل المصادر: ما دام الظرف العادي لا يسمح بتعديل أو تغيير حكومي في لبنان، فكيف بهذا الظرف حيث يخضع تأليف أي حكومة لعوامل داخلية وإقليمية ودولية هي الآن غير مستوفاة الشروط؟

وتقول المصادر ان لا مجال للعبث بالورقة الحكومية ونحن ذاهبون إلى الانتخابات النيابية بعد أقل من سبعة أشهر، حيث تصبح الحكومة بحكم المستقيلة ما ان يتم انتخاب مجلس نيابي جديد.

وتلفت النظر إلى ان لا مؤشرات محلية وخارجية تدل على ان «القوات» ذاهبة إلى الاستقالة، إنما قد يكون التلويح بها من باب التعبير عن استياء من طريقة التعامل مع ممثلي «القوات» داخل الحكومة، من دون ان يعني ذلك إسقاط إمكانية خروجهم من الحكومة إذا اعتبروا انهم لن يخسروا في الأشهر القليلة المتبقية من عمرها، وأن ذلك يرفع من منسوب رصيدهم الشعبي قبل حلول موعد الانتخابات النيابية.

وفي رأي المصادر، ان إشهار «القوات» ورقة الاستقالة من الحكومة سيزعزع عامل الثقة مع «التيار الوطني الحر» الذي بدا مصدوماً من هذه الخطوة وغير راضٍ عنها كونه يعتبرها رميت في وجه العهد، من أجل تحقيق مكاسب حكومية وانتخابية من دون مراعاة أسس ورقة التفاهم الموجودة بين الطرفين.

وتعتبر المصادر ان ورقة الاستقالة ستطوى بعد عودة قائد «القوات اللبنانية» من رحلته الاسترالية كون ان الهدف من رميها لم يتحقق، لا بل «خلط السماوات بالأبوات» في ما خص العلاقة مع «الوطني الحر»، حيث شكل تسريب إمكانية استقالة وزراء «القوات» من الحكومة «نقزة» للتيار سيضعها على مشرحة النقاش لمعرفة ابعادها الحقيقية ومراميها في هذا الظرف الحسّاس قبل ان يُبلغ المعنيين بالأمر موقفه من هذه الخطوة.