لا تزال الأزمة الخليجية تُرخي بظلالها على الملفات العالقة في المنطقة، والبعض منها إيجابي يوضع بمصاف التأثير الذي استطاع غربلة الاحداث والتموضعات بشكل أسرع على سبيل الحل السياسي والعسكري في سورية، فلولا هذا الخلاف لما كانت تحرّكت المجموعات القتالية باتجاه استهداف وتصفية بعضها البعض في وقت تتخذ كل دولة من الدولتين المذكورتين السعودية وقطر دوراً مباشراً في دعم مجموعات مسلحة أقرت باعتمادها المباشر عليها طيلة أيام الحرب، ليحضر أيضاً الدور التركي الذي استفاد بدوره من هذا الخلاف في أكثر من ساحة ليس فقط في سورية، بل في ​العراق​، حيث يحضر الخيار التركي الأول على مستوى الأزمات مجتمعة بالجهد الموضوع في منع إقامة دولة كردية، مهما كلف الأمر بالحساب التي تجد فيه انقرة مقتلاً وجودياً. وفي هذا الإطار لعب الخلاف المباشر بين قطر والسعودية دوراً واضحاً لجهة تزخيم الموقف التركي والإيراني والقطري الرافض لقيام دولة كردية بمواقف علنية واضحة مقابل لغط شاب التصريحات الخليجية وحديث عن رضى سعودي أميركي، فيما لو نجح ​الاكراد​ بالسيطرة على مفاعيل نجاحهم الماسح بالاستفتاء امام دول الجوار، فكسر العقد المجاور جغرافياً للدولة الكردية الموعودة خرزة اساسية ليستكمل الاندماج الطبيعي في المنطقة.

تحضر المساعي الأميركية في المنطقة من اجل مصالحة ​الدول الخليجية​ يضاف اليها مصر مع قطر. ويلفت فيها الفشل في إمكانية فرض اي حل قريب على الأفرقاء، بينما معروف ان ​الولايات المتحدة الأميركية​ قادرة على التأثير بشكل غير مسبوق على قرارات الدول الخليجية مجتمعة باعترافها، وخصوصاً المملكة العربية السعودية التي تحرص على العلاقة الممتازة بواشنطن والتي حرصت ايضاً على أفضل استقبال للحليف الأميركي الرئيس ​دونالد ترامب​ في الأشهر الماضية مع أكبر صفقة مالية عسكرية وتجارية عقدت بين البلدين.

يقول وزير الخارجية الأميركي ​ريكس تيلرسون​ منذ أيام من قطر قادماً من السعودية أن واشنطن لا تستطيع فرض حل للأزمة الخليجية، مضيفاً في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره القطري، إن «أميركا ما زالت قلقة بشأن الأزمة الخليجية وتدعم جهود الوساطة الكويتية وتطالب بتخفيف حدة الخطاب الكلامي»، مضيفاً ما يبدو أخطر أنه «ليس هناك ما يشير إلى أن الأطراف مستعدّة للدخول في الحوار»، مضيفاً أن «واشنطن لا يمكنها فرض أي حل على أطراف الأزمة».

يقطع تيلرسون حبل الامل من دون تردد، ويؤكد ان ما شاهده لا يدل أن أحداً ينوي الاقتراب نحو الآخر في مساعٍ للحل، وأن واشنطن غير قادرة على فعل شيء. وهو الأمر الذي يحمل شكوكاً كثيرة للعارفين بالدور الأميركي في المنطقة القادر على الضغط باتجاهات عدة في الخليج، خصوصاً لجهة سحب القاعدة العسكرية او الضغط بسحب دعمها في اكثر من ملف يعني الطرفين ليتبين ان المصلحة الأميركية تقتضي عدم فرض «الضغوط» لاستجرار «الحلول».

الخلاف الذي لم يؤدِ الى اشتباك حتى اللحظة بين البلدين والذي لم يؤد الى المزيد من التصعيد حتى اللحظة يؤكد وجود «إدارة» ممتازة لخلاف ونجاح مباشر في تنفيذ السيناريو المطلوب وأن ما يدور خلف الكواليس السياسية ماضٍ قدماً على وقع تعليمات مخضرم وهو مايسترو وحيد «الأميركي» الذي يعرف طبيعة العلاقة بين البلدين، وخصوصية كل منهما، ويجيد تهدئة الأمور في وقت كان قد بدا الإعلان عن الحصار في وقت سابق للدوحة بمثابة اقتراب لإعلان حرب جدية بين السعودية والدول العربية المقاطعة لقطر معها.

أجاد الأميركي الاستفادة من الخلاف ويبرع اليوم في إطالة عمره تعزيزاً لمادة خلافية قادرة على تطويل عمر الابتزاز المالي والمعنوي والسياسي القائم. فمن جهة تسعى المملكة العربية السعودية لتغيير صورتها في عيون الدول التي اتهمتها بدعم ​الإرهاب​ ولصقها بقطر، كجهة تدعم مجموعات مسلحة ذات طموحات سياسية أيضاً في الخليج ك​الإخوان المسلمين​، ومن جهة اخرى تسعى الرياض الى الحفاظ على الخصوصية التي تحظى بها داخل الإدارة الأميركية كحليف اول في المنطقة هو الحليف الأقدر على إنجاز صفقات عسكرية من النوع الثقيل وتجارية ومالية على صعيد المصارف الأميركية التي حظيت مؤخراً باهتمام سعودي غير مسبوق لتأتي الاستفادة الأميركية والغربية من المال القطري في الدول الأوروبية أيضاً، خصوصاً ​فرنسا​ و​بريطانيا​، حيث اشترى القطريون اكثر من ساحة ورمز حيوي في البلاد بين اقتصادي وسياحي ورياضي وصارت أسس الخلاف مع الدوحة تحمل خسائر جدية على الأميركيين والأوروبيين. وهو الأمر الذي أعاق مسألة القضاء على المخططات القطرية في اول اسبوع من الازمة الذي حسم الامور بصمود قطر امام المقاطعين وملاحظة الأميركيين لذلك، لتتحوّل ازمة الخليج أزمة ابتزاز أميركي سياسي ومادي كبير للدول المعنية.

المصلحة التركية والروسية والأميركية تتقاطع لجهة إطالة عمر هذا الخلاف أيضاً، فهو استطاع تسريع تقديم الحلول ومفاعيلها وسهّل الغوص في العملية السياسية اكان في استانة 7 المقبل او جنيف، بحيث صارت حرية الحركة أوسع بغياب التشدد بالموقف حيال شكل ومصير الحكم في سورية.

أخطر ما في الملف والذي يستوجب التنبه اليه من خلال اعلان واشنطن عن «عجزها» إيجاد حلّ بين السعودية وقطر، هو عدم رغبتها بتوحيد «الحلف» او الصف الواحد بظل الحديث عن حلحلة الملفات تدريجياً. وهو ما يعني أن الموقف الخلافي هو مطلب أميركي بحت في هذه الأثناء.