في الذكرى السنوية الأولى لانتخاب العماد ​ميشال عون​ رئيسًا للجمهورية، وانطلاقة "عهدٍ" قيل انّه لا يشبه غيره من العهود، حرص "​التيار الوطني الحر​" على "الاحتفال" بشكلٍ مختلفٍ أيضًا، واضعًا السنة الآنفة في ميزان الربح والخسارة، مضيئًا على الانجازات التي تحقّقت، بانيًا عليها لتعبيد طريق السنة الثانية، التي يصرّ على أنّها ستكون "مفصليّة"، باعتبار أنّها ستشكّل "بطاقة العبور" نحو الانطلاقة الفعليّة للعهد، بعيد الانتخابات النيابية.

ولكن، إذا كان "التيار الوطني الحر" ينظر إلى ما تحقّق بعين الرضا، بل الفخر، فماذا عن "الشركاء" الذين ساهموا في إيصال العماد عون لرئاسة الجمهورية، قافزين فوق خلافاتهم "التاريخية" معه، ولا سيّما "​تيار المستقبل​" و"​القوات اللبنانية​"؟ كيف ينظر هؤلاء إلى ما تحقّق؟ وهل يندمون على ما اقترفت أيديهم مثلاً؟!

ساعة تخلٍ؟!

لا يبدو مبالَغًا به على الإطلاق القول أنّ الكثير من "القواتيين" نادمون اليوم على مساهمتهم بإيصال العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، بل إنّ هناك في القاعدة "القواتية" من يرى أنّ دعم القيادة "القواتية" لـ"الخصم التاريخي" ميشال عون، وتعبيد الطريق الرئاسيّة أمامه كان أشبه بـ"ساعة تخلٍ" على غرار "ساعة التخلي" التي تحدّث عنها رئيس الحزب ​سمير جعجع​ قبل فترة، في إشارة إلى ما حصل في زغرتا.

وإذا كانت القيادة "القواتية" ترفض المجاهرة بمثل هذا الموقف، وتعتبر أنّ "​المصالحة المسيحية​" التي أفضت إلى ما أفضت إليه تسمو وتعلو فوق كلّ هذه الاعتبارات "الآنية"، باعتبار أنّها طوت صفحة سوداء طويلة من عمر الوطن، فإنّ هناك إعادة قراءة وتقييم للوقع لا يمكن لأحد أن ينكرها. ولعلّ خير دليلٍ على ذلك، الكلام المعبّر الذي تمّ تداوله في الساعات الأخيرة، ونُسب لرئيس جهاز الاعلام والتواصل في "القوات" ​شارل جبور​، وفيه دعوة صريحة وواضحة لا تحتمل اللبس لرئيس الجمهورية ميشال عون لـ"وضع ضوابط" لرئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية ​جبران باسيل​.

وبمعزَل عن مدى تعبير هذا التصريح عن موقف رئيس حزب "القوات" الفعلي، أو إمكانية اعتباره "اجتهادًا ذاتيًا" في مكانٍ ما، فإنّ لا شكّ أنّ له دلالات بالغة في الأهمية، باعتبار أنّ رئيس "القوات" حين وضع يده بيد "الجنرال" كان يراهن على أن يكون "الشريك الأول" للعهد، بل عرّابه في مكانٍ ما، وليس خافيًا على أحد أنّ "القوات" كانت تطمح من خلال تحالفها مع "الجنرال" إلى التمهيد لـ"وراثته" في فترة لاحقة، فضلاً عن "إبعاده" تدريجيًا عن "​حزب الله​" والسيطرة العمليّة على الساحة.

ولكن، وعلى قاعدة حسابات الحقل التي لا تتطابق مع حسابات البيدر، تفاجأ "القواتيون" بأنّ شيئًا ممّا خططوا له لم يحصل، بل أنّهم تحوّلوا لفئةٍ "مهمَّشةٍ" مع وقف التنفيذ، شأنهم شأن القوى الأخرى التي أخرجت نفسها من المعادلة طوعيًا، كما فعل حزب "الكتائب". وقد تعزّز ذلك بشكلٍ خاص مع قيادة الوزير باسيل لـ"التيار"، وتعاطيه مع "القوات" وكأنّها حليفٌ من المرتبة الثانية لا أكثر، وهو ما تمظهر في العديد من الاستحقاقات، ولا سيما في التعيينات التي خرج منها "القواتيون" من دون شيءٌ يُذكَر، وهم يعتبرون انطلاقاً من ذلك أنّ أقصى ما جنوه من "تفاهم معراب" كان حصّة وزاريّة وازنة، هم مستعدّون للاستغناء عنها في وقتٍ قريب.

مكاسب بالجملة...

وعلى الرغم من أنّ "القوات" كانت من القوى التي أقنعت "تيار المستقبل" بالسير بانتخاب العماد عون لرئاسة الجمهورية، ومن أنّ وضع الحليفين القديمين الجديدين متشابهٌ في الكثير من حيثيّاته، خصوصًا لناحية التباعد السياسي الاستراتيجيّ بينهما وبين "التيار الوطني الحر"، فإنّ وضع "المستقبل" بعد سنة على التسوية الرئاسية يبدو أفضل بأشواط من وضع "القوات".

لا شكّ، في هذا السياق، أنّ رئيس الجمهورية، ومن خلفه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، أحرجا تيار "المستقبل" في الكثير من المحطات والمفاصل، وأوقعا رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في أكثر من مأزق، خصوصًا على صعيد بيئته الحاضنة، التي لم يكن سهلاً عليها أن "تستوعب" انتخاب "خصم" بحجم عون رئيسًا للجمهورية، وما تمخّض عنه ذلك من "تنازلاتٍ" لا يزال صداها يُسمَع حتى يومنا هذا. ولا شكّ أيضًا أنّ الحريري ظهر في أكثر من محطة وكأنه يلحق بعون، وغير القادر على فرض إرادته وقراره، ما جعله عرضةً للمزايدات من كلّ حدبٍ وصوب، ولعلّ ما حصل مؤخّرًا مع توقيع الحريري على مرسوم تعيين سفير لبناني في سوريا خير دليلٍ على ذلك، خصوصًا أنّ الرجل كان قد خاض "حربًا شرسة" لمنع تمرير ما سُمّي بـ"التطبيع" مع النظام السوري.

وإذا كان صحيحًا أنّ الحريري بصدد إعادة تقييم موقفه، في ظلّ الهجمة السعودية الشرسة، وما يُحكى عن ضرورة خوضه الانتخابات المقبلة في ظلّ اصطفافٍ معادٍ لـ"حزب الله"، يشبه اصطفاف "​14 آذار​" السابق، فإنّ الصحيح أنّ الحريري حقّق بتفاهمه مع عون العديد من المكاسب والانجازات، تتصدّرها العودة لرئاسة الحكومة في مرحلةٍ كان بأمسّ الحاجة لذلك، خصوصًا بعد قسوة الغربة القسريّة، التي كان لها الأثر السلبيّ البالغ على زعامته وشارعه، علمًا أنّ ثمّة من يقول أنّ الحريري "حجز" لنفسه موقع رئاسة الحكومة طيلة ولاية الرئيس عون، وإن كان هناك من يصنّف مثل هذا الحديث في إطار المبالغات غير المبنيّة على وقائع حسية.

وإذا كان هناك من ينتقد الحريري ضمنًا على أنّ تفاهمه مع عون أتى أيضًا على حساب "مسيحيي" فريقه، الذين لم يعد لهم الثقل الذي كانوا يتمتعون به سابقاً، فإنّ من المكاسب التي تُسجَّل له أيضًا أنّه بنى علاقة راسخة مع رئيس الجمهورية وشكّل معه شراكة فعليّة، لم تنه عمليًا أسطورة "الابراء المستحيل" فحسب، التي لطالما كان "العونيون" يرفعونها في وجه "المستقبل"، وإنما جعلت مصالح التيار "الأزرق"، وعلى وجهٍ أدقّ مصالح الحريري بالتحديد، مراعاةً بشكلٍ لافت، وهو ما حصل مثلاً عندما غضّ "العونيون" النظر عن استحقاق ​الانتخابات الفرعية​ في طرابلس وكسروان، كرمى لعيون الحريري الذي كان يخشاها ولم يكن يريدها، لاقتناعه بأنّها ستلحق به الضرر الفادح في هذا التوقيت.

حماسة واقعيّة؟!

انطلاقاً من كلّ ما سبق، لا يمكن وضع "المستقبل" و"القوات" على دفّةٍ واحدةٍ في الميزان، في ذكرى مرور عام على التسوية الرئاسية، التي لم تكن لتحصل من دونها.

هناك من يقول أنّ "القوات" كانت الأكثر حماسة قبل عام، لأنّ رهاناتها قادتها إلى الاعتقاد بأنّ ثنائيّتها مع "التيار" ستجتاح الأخضر واليابس، فإذا بـ"الاحباط" الذي أصابها أكبر من قدرتها على التخفيف من وقعه. وهناك من يقول أنّ "المستقبل" استفاد أكثر لأنّ مقاربته كانت أكثر "واقعيّة"، إضافة إلى أنّ "التنافس" بينه وبين "التيار" ليس مباشراً.

في كلّ الأحوال، يبقى الأكيد أنّ "المصالح" وحدها التي تعلو ولا يُعلى عليها، فـ"المصلحة" التي أفضت لـ"التقارب" قبل عام، تفضي اليوم إلى "تباعدٍ"، قد لا يطول الوقت قبل أن تنتهي مفاعيله أيضًا وأيضًا...