لا يمكن التحدث عن تجربة بشكل سليم ما لم يتم عيشها بتفاصيلها، وهذه هي حال العاصمة الايرانية ​طهران​ التي تخبئ الكثير من الأسرار عن الأجانب الذين يظنون ان عاصمة الجمهورية الاسلامية لا بد ان تكون طائفية متشددة. يعلم العالم عن ​إيران​ عبر ثورتها الاسلامية، حربها مع العراق، وبرنامجها النووي بالاضافة الى دعمها حركات المقاومة في ​العالم الاسلامي​، وبالتالي تشتهر ايران بالقضايا "العسكرية"، ولكن قضاء بضعة ايام في هذا البلد كفيل بقلب المعادلات واظهار الوجه الاخر لطهران. وفي هذا التقرير سوف نتحدث عن بعض الامور اللافتة التي لا يمكن اخفاء وجودها وتأثيرها.

لا وجود للمظاهر المسلحة في شوارع المدينة، فالسؤال عن وجود ​الحرس الثوري​ يتبادر الى ذهن الزائرين سريعا خصوصا بعد الاخبار التي يتم تناقلها بأن قوات الحرس في كل مكان، ولكن الجواب واضح بأن "كل مكان" لا تراه هنا، بل ترى القليل من شرطة السير بلباسهم الابيض الانيق ينظمون السير ويحرصون على تطبيق القوانين والالتزام بالسرعات المحددة في اشارات الطرق المنتشرة على كل مفرق وطريق.

​​​​​​​تشبه طهران العواصم الاوروبية الى حد بعيد، فهي كما كان الشاه محمد رضا بهلوي يصفها وأفضل، خصوصا اذا ما ذكرنا أن ايران قد خاضت حربا مدمرة مع العراق، مع استثناء وحيد هو ​التلوث​ الموجود في المدينة بسبب احاطتها من قبل الجبال وتواجد اعداد ضخمة من السيارات فيها، مع العلم ان هذه السيارات هي بأغلبها من الانتاج المحلي ولو حملت اسم وشكل "البيجو"الفرنسية، اذ ان ايران نالت ترخيصا بتصنيع سيارة البيجو 406 وغيرها من الهياكل القديمة نسبيا، وبالتالي اصبحت هذه السيارة موجودة بكثرة في الشوارع الايرانية .

تمتاز العاصمة الايرانية بوسع شوراعها وتنظيمها فهي وان شهدت زحمة سير خلال اوقات النهار الا ان الحركة لا تتوقف واصوات ابواق السيارات لا ترتفع، اذ ان تنظيم الطرقات والاشارات والجسور والمداخل والمخارج يجعل من الزحمة امرا يسيرا مقارنة بما نعيشه في ​لبنان​ مثلا. كذلك تمتاز الشوارع بنظافتها وترتيبها وجمالها، فأقنية المياه الموجودة في كل مكان تضيف جمالية على الطرقات المزروعة بالاشجار والساحات الخضراء المنتشرة بكثرة، ولعل طريق "وليعصر" هو خير مثال على روعة الطرقات.

نسمع كثيرا عن اكتفاء ايران الذاتي، ولكن "الرؤية تختلف عن السمع" فأديداس الايراني حاضر بقوة في اقدام الايرانيين، وهو بعد التدقيق عبارة عن امتياز يُمنح لايران لانتاج احذيتها من هذه الماركة العالمية، ولا يقتصر الامر على الاحذية بل يتعداها تقريبا الى كل شيء، وصولا كما ذكرنا سابقا الى قطاع السيارات.

اما الامر الاساسي والذي شكل مفاجأة لنا ولزائري ايران معنا، هو كمية الانفتاح الموجودة في مجتمع الجمهورية الاسلامية، فمن العجب مثلا ان نتباهى بمجتمعنا ونهاجم المجتمع الايراني، وفي ايران تنال المرأة حقوقها بما يفوق الرجل الامر الذي جعلها في مراكز عالية جدا، في المصارف والشركات، وفي قطاع ​الطاقة النووية​، الى حد اصبحت اعداد النسوة في وظائف القطاع العام في ايران تفوق اعداد الرجال.

كذلك تقود المرأة السيارة بشكل طبيعي وترتدي الملابس التي تريدها شرط الاحتشام وتغطية الرأس، كما تمارس حياتها بشكل طبيعي، فتخرج ليلا، مع العلم ان الحياة الليلية بطهران شهيرة جدا، وتعيش اوقاتاً عاطفية على جسر "الطبيعة" الاستثنائي الرائع المكون من ثلاثة طبقات ويربط بين حديقتين ضخمتين، وتمارس الرياضة بكل انواعها في العلن. فهي كما تقول احداهن لـ"النشرة": "نحن نعيش بحرية في بلد حر ولا يعنينا نظرة العالم لنا طالما ان نظرتنا لانفسنا تعبر عن سعادة ورضى"، معتبرة أن لا احد يعارض "شرط الاحتشام" باللباس اذ ان الامر الطبيعي والمنطقي هو ان تحتشم المرأة في الشوارع والمطاعم والاماكن العامة.

تشتهر طهران بكثرة الاماكن السياحية فيها والتي جعلت منها مقصدا للسائحين من انحاء العالم، من قصور الشاه الى الحدائق العامة، مرورا بمعرض الدفاع المقدس الذي يخلد ذكرى الشهداء الايرانيين منذ ​الحرب العراقية الايرانية​ حتى اليوم، وبرج ميلاد الذي يرتفع ما يزيد عن 400 متر، وحديقة الطيور التي تعد مكانا هاما للاستجمام والراحة، وصولا الى ما يعرف بـ"الدربند" والذي هو عبارة عن مكان رائع مليء بالاخضرار وصوت المياه والمطاعم والمقاهي، وغيرها الكثير من الأماكن الخلابة.

لا بد للمجتمعات التي تنتقد ايران أن تعلم بأن نظام الدولة الاسلامية لا يعني التطرف والانزواء بل الانفتاح والتطور والعلم والمعرفة وحقوق المرأة وصيانة المجتمع والسياحة والسهر والحرية التي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.