ستكون زيارة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى. هي تاريخية في الدعوة، وهي تاريخية في الإستجابة.

لسنا مطلعين على الخلفيات. فقط نعرف أنّ صاحب الغبطة الكاردينال البطريرك مار بطرس ​بشارة الراعي​ سيلتقي ​الملك سلمان بن عبد العزيز​ وولي العهد الأمير ​محمد بن سلمان​ وهو يحمل في قلبه الهمّ ال​لبنان​ي عموماً.

صحيح أن الدعوة وجهت اليه كزعيم ديني كبير لبنانياً ومشرقياً ودولياً، ولكنه يتوجه الى هناك، أيضاً، بصفته رجل الإنفتاح بامتياز كبير. إنه رجل «الشركة والمحبة» ليس على صعيد طائفته وحدها، إنما على الصعيد الإنساني عموماً.

وكما نعرف غبطته ويعرفه اللبنانيون هو ينطلق من موقفه المعروف حول حوار الحضارات والثقافات والأديان، وهو موقف الڤاتيكان التاريخي... وهو الموقف الذي حمله الرئيس ميشال عون في مختلف زياراته الى الخارج ترويجاً لفكرة سامية هي تحويل لبنان الى مقر دائم لحوار الأديان والحضارات.

يدرك غبطته دور المملكة في المنطقة والعالم، لذلك قد لا نذهب بعيداً إذا توقعنا أن يدعو غبطته القيادة السعودية الى دعم لبنان ليتجاوز المرحلة الصعبة خصوصاً في إتجاهات ثلاثة: الأول - أن تواصل الرياض الحرص على استقرار الأوضاع اللبنانية الداخلية. ثانياً - أن تساعد هذا البلد في تجاوز أزمته الإقتصادية الكبرى. ثالثاً - أن تستمر في إحتضانها مئات آلاف اللبنانيين المنتشرين فيها وفي سائر بلدان الخليج العربية وهي أصلاً عاملة على ذلك.

أمّا أن يدخل غبطته في زواريب السياسة اللبنانية، وأزقتها، وخلافات أهل السياسة فهذا ما لا نراه وارداً على الإطلاق. وصحيح أن البطريرك الراعي سيكون أول رأس للكنيسة المارونية المشرقية يزور السعودية، ولكن حبل الود لم ينقطع يوماً بين الرياض والصرح البطريركي. علماً أن غبطة البطريرك صفير، أمدّ اللّه في عمره وفرّ التغطية الكبرى لاتفاق الطائف (الذي تعتبره السعودية واحداً من أبرز إنجازاتها الديبلوماسية) ولولاه لما كان للإتفاق أن يبصر النور. مع أن صفير كان مأخذه (وربما لايزال) على سوء تنفيذ الطائف.

أضف الى أن بكركي هي، تاريخياً، من دعاة التضامن العربي ووحدة الصف العربي، لأنها ترى في ذلك فائدة كبرى للبنان الذي أكثر ما يحرجه ويزعجه (أياً كان الحاكمون فيه) الخلافات العربية... ولقد كان البطاركة المتعاقبون يقولون: مادام العرب على وفاق فلبنان بألف خير.

ولم أسمع أو أعرف مرة أن العلاقة بين بكركي والرياض كانت على توتر. والبطريركية المارونية معروف موقفها من الأديان، وبالذات من الإسلام كونه ديناً سماوياً ودين المحيط بأغلبية كبرى.

البطريرك لا يذهب الى المملكة ملبياً الدعوة من أجل مصلحة ما، والدعوة ليست في هذا الوارد، ولا يذهب إليها بإسم فئة، ولا بإسم جهة سياسية.

إنما يذهب من أجل لبنان حاملاً شعاره الأثير «شركة ومحبة».

وبعد، هذه الزيارة ليست للتشبيه بالزيارات السياسية، على أهمية تلك الزيارات. ولا شبهة فيها.