حتى الساعة، فشلت المملكة العربية السعودية في تحقيق الأهداف التي كانت تتوخاها، عبر دفع رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ إلى تقديم إستقالته، ضمن مخطط شامل عنوانه العريض محاربة النفوذ الإيراني في ​الشرق الأوسط​، من خلال إستهداف "​حزب الله​" على الساحة اللبنانية، والسعي إلى محاصرته بشتى الوسائل.

إستقالة الحريري التي كان يراد لها أن تكون ورقة ضغط تقود الى توتير الأوضاع المحلية، تحولت بفضل الجهود التي بذلت على أكثر من صعيد إلى فرصة للتأكيد على أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية والإستقرار المحلي والإلتفاف حول رئيس الحكومة، في حين أن الأسئلة باتت توجه إلى ​الرياض​، من أغلب الأفرقاء المحليين والعديد من القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، بهدف كشف مصير الحريري الذي لا يزال غامضاً، وسط تأكيدات على أنه أجبر على تقديم الإستقالة أو يعيش في الإقامة الجبرية.

إنطلاقاً من هذا الواقع، ترى مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن السعودية هي التي تواجه أزمة كبيرة اليوم، خصوصاً أنها لم تجد على الساحة المحلية من يتماهى مع مواقفها التصعيدية، لكنها تشدد على أن هذا لا يلغي إمكانية تبدل المشهد في الأيام المقبلة، خصوصاً أن الرياض مصرة على مواقفها، وبالتالي لا يبدو أنها في طور التراجع.

وتوضح أن طرح مصير رئيس الحكومة على بساط البحث لم يعد هدفاً لقوى الثامن من آذار فقط، بل أن غالبية العواصم الإقليمية والدولية بالإضافة إلى وسائل الإعلام المحلية والعالميّة تسأل عن هذه السابقة التي لم يسجل ما يشبهها في أي دولة أخرى، وتضيف: "لا يمكن أن تبقي الرياض على مصير الحريري غامضاً إلى ما لا نهاية، خصوصاً بعد الكلام الروسي عن إمكانية طرح الأمر في ​مجلس الأمن الدولي​، والبيان الصادر عن مجموعة الدعم الدولية في لبنان الذي رحب بدعوة رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ الحريري للعودة الى لبنان".

في هذا السياق، تشير هذه المصادر إلى أن لبنان تعامل بكثير من الحكمة مع الخطوة السعودية، حيث لم يدخل في جولة من التصعيد المقابل، وتلفت إلى أن عودة الحريري باتت قريبة جداً، نظراً إلى الضغوط التي تفرض على السعودية في هذا الإطار، لا سيما من البلدان الأوروبية، وتوضح أن ليس هناك من يتماهى معها في الموقف إلا الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، في حين تحرص مراكز صنع القرار في ​الولايات المتحدة​ على إختيار تعليقاتها على هذا الموضوع بشكل دقيق.

وتلفت المصادر، إلى أن الرياض أمام هذا الواقع ستكون مضطرة للتجاوب مع المطلب اللبناني الصارم بضرورة عودة رئيس الحكومة إلى بلاده، لكنها في المقابل لن تتأخر في الرد بخطوات تصعيدية أخرى، تتخطى دعوة رعاياها، إلى جانب بعض ​الدول الخليجية​ إلى مغادرة لبنان فوراً، وتشير إلى أنها قد تذهب إلى خيارات أخرى، منها الدعوة إلى سحب السفراء على سبيل المثال، متوقعة أن تكون الخطوات تصاعدية.

وفي حين تشدد المصادر السياسية المطلعة على خطورة ما تقوم به المملكة على هذا الصعيد، تشير إلى أن الحملة السعودية بلا أفق، خصوصاً أنها لا تستطيع القيام بأي ضربة عسكرية ضد "حزب الله" بمفردها، بينما العديد من الدول الأخرى ترفض هذا الأمر خوفاً من التداعيات الخطيرة، وتذكر بموقف الرئيس المصري ​عبد الفتاح السيسي​.

من ناحية أخرى، تشير هذه المصادر إلى أن ما يُحكى عن عقوبات إقتصادية أو ماليّة، بالإضافة إلى طرد اللبنانيين من البلدان الخليجية، لا يمكن أن يصب بمصلحة السعودية بأي شكل من الأشكال، بل هو على العكس سوف يرتدّ عليها في نهاية المطاف من الناحية الشعبية، وتضيف: "في الأصل هناك حالة تململ مما قامت به مع الحريري، وبعض الأفرقاء السياسيين عبروا عن إمتعاضهم من الطريقة التي أُجبر فيها رئيس الحكومة على تقديم إستقالته".

في المحصلة، لا يبدو أن التصعيد السعودي ضد لبنان، الذي يقف خلفه ولي العهد محمد بن سلمان، يملك أي أفق في المرحلة الراهنة، فهل تتراجع المملكة أم تذهب في المواجهة حتى النهاية؟.