مع دحر ​الإرهاب​ عن ​البوكمال​ وسقوط داعش في المنطقة السورية الشرقية على الحدود مع ​العراق​ تكون المنطقة قد طوت صفحة سوداء من صفحات العدوان الأجنبي الذي استهدفها مستعملا أدوات محلية وإقليمية لإنفاذ مشروعه،

وتكون سورية ومحور المقاومة والحلفاء قد كتبت السطور الأخيرة في هذه الحرب الكونية التي استهدفتها وبعد هذا تدور في الذهن أسئلة حول اتجاهات المواجهة بعد البوكمال في سورية والمنطقة من حيث الطبيعة والأطراف والمسارات.‏

لقد كانت داعش التي تطوى صفحتها الآن مع تحرير البوكمال الأداة الرئيسية ل​أميركا​ للعودة إلى العراق وللدخول إلى سورية في خطة وضعتها بإحكام شديد وأنشأت لتنفيذها تحالفا دوليا خارج قواعد القانون الدولي وخارج الشرعية الدولية ومنافياً للسيادة الوطنية السورية، من اجل فرض مشروعها بالسيطرة على المنطقة، ومع سقوط الأدوات يكون مبررا السؤال عن مسار السياسة الأميركية في المنطقة خاصة سورية بدءا بما أرسته أميركا فيها من قواعد عسكرية وصولا إلى البحث عن الأهداف والسبل والخطة التي ستعتمدها أميركا لتعويض الفشل الاستراتيجي في الميدان السوري.‏

نقول هذا رغم ان داعش التي تفرق جمعها وتشتتت قواها بين فئة نقلتها أميركا خارج الميدان وفئة التحقت بأوامر أميركية بقسد وفئة استمرت في الميدان تقاتل بنهج وأسلوب جديد وهي تتشكل من بضع من مئات المسلحين الذين قد يصل عددهم على جانبي الحدود السورية والعراقية إلى حوالي 1500 مسلح على حد ما تروج أجهزة المخابرات والإعلام الغربي، ما يفرض على سورية ومحور المقاومة متابعة العمل حتى الإجهاز النهائي عليها مهما كانت الأعدادالمتبقية.‏

بيد أننا ننظر إلى ما تبقى من داعش في الميدان على أساس انهم جيوب وخلايا و جزر متناثرة لا تقوى على إعادة أحياء التنظيم المتماسك القادر على مسك منطقة من ارض ورسم خطوط قتال يتحصن خلفها و وضع نظام يتحكم بالناس عبره، فمن تبقى من مسلحي داعش تحول إلى ملاحق في البادية حيث لا حياة ولا أماكن آهلة يمكنه التحصن فيها بل ان تنظيف الأرض منهم بعمل عسكري يتكئ على الجهد الناري المتبوع بجهد عسكري حركي مضمون النتائج وفي توقيتات يحددها المهاجم، وبالتالي لن يبقى لهذه الجيوب و الجزر قدرة على تشكيل تهديد للمناطق المطهرة او حلم بالعودة إلى ما كانت عليه قبل تحرير البوكمال فصفحة داعش طويت وانتهى الأمر . والبحث بعدها بات قائما عن عمل ليس لداعش فيه ولا للإرهاب البديل محل او أثر.‏

أما عن القواعد العسكرية الأميركية التي تمارس أميركا حولها سياسة الغموض المقصود، فإن من فيها يتراوح عدهم حسب الإعلان الأميركي من 440 إلى500 عسكري، في مقابل عدد 4500 جندي وضابط حسب تسريبات استخباراتية منها مخابرات صديقة، وانهم موزعون على 12 قاعدة عسكرية في كل منها ما يقارب الفوج من الوحدات الخاصة المارينز او سواها ومعزز بدعم ناري معتبر، ونحن نعتمد هذا الرقم في تناولنا للشأن لأنه الأقرب للواقع وللمنطق.‏

تدعي أميركا ان قواعدها جاءت لمواجهة داعش وان في مهامها تدريب عناصر محلية ليسند اليها قتال داعش واستلام الأرض منها بإشراف أميركا وبدعم من طيرانها، والآن ومع انتفاء المهمة الأساس أي قتال داعش يكون على أميركا ان تخلي قواعدها وتحترم السيادة السورية فهل تفعل؟‏

بيد أننا لا نظن ان أميركا التي قادت العدوان على سورية طوال السنوات السبع الماضية ستقوم بهذا الإخلاء الطوعي ان لم يتشكل ضغط مركب عليها في الميدان و السياسة محليا وإقليميا ودوليا، لأن أميركا ستبدل من طبيعة مهام القواعد لتتخذها بعد داعش ورقة ضغط و ابتزاز للمعسكر الذي انتصر في المواجهة من اجل ألا تخرج من الميدان صفر اليدين وهنا سيكون التحدي في وجه معسكر الدفاع عن سورية لاختيار السبل و الوسائل المناسبة للمواجهة ولاستثمار الانتصار و حرمان المهزوم من الانتقاص منه و منعه من التأثير في القرار السوري السيادي المستقل .‏

وبالتوازي مع معالجة هذين الأمرين يبقى السؤال الأهم المطروح حول اتجاهات المواجهة في سورية بعد داعش من حيث الطبيعة والمسارات، شاملا السؤال عن مهمة وتوجه ​الجيش​ العربي السوري وحلفائه بعد البوكمال؟‏

من الثابت ان هناك منطقتين رئيسيتين متبقيتين في سورية تستوجبان المعالجة لإعادتهما إلى سيطرة الحكومة الشرعية الأولى في إدلب ومحيطها والثانية شمال شرقي الفرات من ​الرقة​ إلى ​الحسكة​، إضافة إلى ما يشكله وضع الجنوب الغربي في مواجهة ​الجولان​ المحتل من أهمية ويثيره من قلق فكيف ستكون المعالجة؟‏

ونبدأ بالمنطقة الأولى إدلب التي هي الآن تحت سيطرة الإرهابيين الذين تجمعوا فيها عن طريقين آما بالقوة الإرهابية التي مورست ضد السكان او بالتجميع في معرض تنظيف المناطق السورية الأخرى بالمصالحات ونرى ان معالجتها سيكون على مسارين، يكون الأول مرتبطاً بمخرجات آستنة حيث ستعطي سورية الفرصة والوقت الكافي لرعاة اجتماعات آستنة لتنفيذ مخرجاتها ما يمكن مظلة الرعاية الوفاء بالتزاماتها في منظومة مناطق خفض التصعيد، والعمل في المنطقة على 3 مراحل الأولى القيام بفرز الإرهابيين عن المسلحين الذين تراجعوا عن العنف وانخرطوا في العمل السياسي، والثاني تطهير المنطقة من الإرهاب كليا، والثالث أسقاط أي محاولة او مشروع يرمي إلى اقتطاع المنطقة عن الدولة الأم وإعادتها إلى الشرعية السورية. فإن حصل هذا في مهلة معقولة كان به، وان لم يحصل فسيلجأ إلى المسار العسكري وسيجد الجيش العري السوري وحلفاؤه أنفسهم ملزمين بمتابعة العمل في الميداني لتنفيذ المطلوب وفقا لما يحقق المصلحة السورية العليا.‏

أما المنطقة الثانية فهي التي نشأت نتيجة تحرك كردي برعاية ودعم أميركي في معرض عمل أميركا لتقسيم سورية او إنشاء مناطق الفصل بينها وبين العراق وتطمع فئات كردية تعمل تحت توجيه وإشراف أميركي، تطمح في تطوير وضعها باتجاه كياني ذاتي او واقع انفصالي، فإننا نرى ان معالجتها ستكون على مسارين يكون الأول ذا طبيعية سياسية منشطة بضغط عسكري محدود، ويكون الثاني بالعمل العسكري المكتمل الصفات الذي يمارسه الجيش العربي السوري و حلفاؤه دون ان يثنيه الدعم الأميركي او القواعد الأميركية عن هذه المهمة، وهنا تأتي أهمية الموقف الروسي الأميركي المعبر عنه بالبيان المشترك قبل يومين والذي يؤكد وحدة سورية و سيادتها، وهو امر ليس له في سورية إلا تفسير واحد هو التمسك بوحدة الأرض السورية ورفض أي سلوك يخفي في ثناياه عملاً تقسيمياً تحت أي عنوان، ويشكل رسالة ضمنية للأكراد بان وقت تخلي أميركا عنهم قد اقترب وأن عليهم العمل بواقعية وليتعظوا مما حصل في ​كردستان​ العراق.‏

وهكذا نرى ان تحرير البوكمال شكل النهاية المبدئية للحرب العدوان على سورية وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المواجهة على أساس سياسي قد يلجأ فيه إلى القوة للتنشيط والضغط وليس من اجل فتح جبهات جديدة او إطلاق العمل بحرب أخرى، وهذا ما عناه البيان الأميركي الروسي الأخير من تركيز على الحل السياسي بعد ان استنفدت مهام الأعمال العسكرية.‏

نقول هذا من دون ان نغفل الحاجة إلى استكمال تطهير ما تبقى من جيوب وجزر إرهابية متناثرة في الداخل السوري لأن أمرهم سيعالج بيسر وسهولة وفي الوقت المريح للجيش العربي السوري وحلفائه، فوضعهم لم يعد يشكل خطرا استراتيجيا على سورية رغم ان خطرهم الأمني ما زال قائما ويستوجب المعالجة.‏