أعلن رئيس الحكومة (المعلّقة استقالته) ​سعد الحريري​ عزمه العودة إلى ​لبنان​ في الأيام القليلة المقبلة خلال إطلالته التلفزيونية الأولى بعد بيان استقالته الملتبس في التوقيت والشكل والمضمون. هذا حقيقي وهو يريد العودة. و لكن، ماذا عن عائلته؟ وما الإيحاءات التي وصلت من كلامه؟.

بدايةَ لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الحريري بدا متماسكاً جزئياً. هو كاد ينهمر بالبكاء أكثر من مرّة. وجهه متعب. عيناه شاحبتان تتآكلهما الهالات السوداء من تحتهما. لم يترك القلم من يده لحظة وكأنه متربّص بخشبة خلاص. عضّ شفتيه أكثر من مرة ما يدلّ على عدم الثقة بما يصدر عنه وكأنه غير مقتنع أو خائف. انحناءة كتفيه طوال الحلقة دلّت على انكسار يشعر به. أظافر يديه طويلة و كأنّه كان بعيداً عن مكان أشيائه الخاصة التي تسمح له بالإعتناء بنفسه. نظراته غير مركّزة وكأنه في حالة تشتّت. بالمحصّلة، ليس سعد الحريري نفسه الذي عوّدنا عليه. هذا من حيث الشكل.

أما من حيث المضمون؛ فالرجل أبدى ليونة في الموقف تجاه ​حزب الله​ ومن حزم الاستقالة وحيال ​ايران​ كما أكّد التزامه بالتسوية اللبنانية. تراجعت حدّة الخطاب بين بيان استقالته وما ورد على لسانه في المقابلة، عند سؤاله عن موقفه من ايران ردّ الحريري بتبريرات غير مترابطة وذكر حرفيًّا "البيان الذي قرأته" ولم يقل الذي كتبته.

ما يؤكّد ما صدر عن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله من أنّ بيان استقالة الحريري مكتوب سعودياً. صادقَ الحريري على موقف رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ​ميشال عون​ بعدم قبول الإستقالة كونه لم يقدّمها خطياً له لعدم دستورية الإجراء. ولكن، هو يعلم جيدا أن هذا ليس شرطاً ملزما وإلا لما كان استقال من المملكة العربية السعودية. هو يطلب ضمنياً من رئيس الجمهورية وجوب التمسّك بموقفه الرافض للإستقالة حتّى يتسنّى له العودة إلى لبنان "للتكلّم معه بصراحة" كما أشار. ذكر عائلته وخوفه عليها واحتمال وفاته مرّات عدّة، وهذا ليس بكلام مألوف لرئيس حكومة ولئن كان يعتبر نفسه مهدداً. هو ظهر وكأنّه يعلن وصيّته. هل يشكّ أنه قادر على العودة؟ ولكن الحريري ترك لبنان ضاحكاً ظهر في السعودية باكياً.

لا شكّ أنّ الضغوط الدولية على السعودية والموقف اللبناني الرافض لاستقالة واختفاء سعد الحريري، والأهمّ عدم الإنجرار الى الفتنة، قلبت الموقف السعودي حيال لبنان رأساً على عقب.

تشير بعض المصادر أنّ الضغط على السعودية بموضوع رئيس حكومة لبنان، وصَل حدّ التلويح لولي العهد السعودي محمّد بن سلمان بالنتائج السلبية حول مدى قدرته على تولّي الحكم في حال عدم التجاوب السعودي بالتعامل بايجابية مع سعد الحريري. الأمور تبدّلت.

إنّ الحال السياسية بعد عودته الى لبنان ينتظرها الآتي:

أوّلاً: عدم قبول رئيس الجمهورية اللبنانية استقالة الحريري الإعلامية لعلّة عدم دستوريتها من حيث الشكل؛ ما سيدفع بالحريري الى تقديمها خطياً. في الحالة هذه، يكون رئيس الجمهورية قد حمّل ​الدستور اللبناني​ ما لا يحمله لجهة شكل الإستقالة وآليتها وأعطى الحريري والسعودية براءة ذمة من تعرّضه للضغط والإحتجاز. لنخلص الى النتيجة عينها وهي استقالة رئيس الحكومة والحكومة. وفتح مرحلة المشاورات النيابية.

ثانياً: عدم قبول رئيس الجمهورية اللبنانية استقالة الحريري الإعلامية لعلّة انتفاء حرية ارادته ورضاه وقبوله، ما سيؤكّد ارتكاب السعودية تعرّضها لسيادة لبنان وخرقها للقانون الدولي. ما سيفتح صفحة جديدة من العلاقات السياسية اللبنانية والدولية مع السعودية لا تشبه سابقاتها ستؤول إلى تغيّرات عدّة في الداخل السعودي.

ثالثاً: عدول الحريري عن استقالته والإعلان عن طاولة حوار تضم كل الفرقاء للبحث بمسألة دور لبنان من قضايا المنطقة. سلاح حزب الله لن يكون على طاولة الحوار ولا تحتها. يعرف الحريري ذلك ومعه السعودية. للبيان المشترك الأميركي-الروسي كواليسه أهمها "النأي" عن سلاح حزب الله أقلّه في المرحلة الراهنة.

رابعاً: تقديم الحريري استقالة خطية لرئيس الجمهورية اللبنانية فور لقائهما وإصدار ​رئاسة الجمهورية​ مرسوم إعلان استقالة الحكومة. السبب في ذلك يكمن بالحفاظ على مصداقية سعد الحريري وإبراء السعودية من اتهامها بالضغط وباحتجاز لائيس الحكومة والإبقاء على علاقة ثنائية جيدة على مستوى البلدين. عندها يُعلن أيضا ًالبدء بمشاورات نيابية؛ على الأرجح أنها ستفضي إلى إعادة تكليف سعد الحريري رئيسا للحكومة.

خامساً: في حال إعادة تكليفه أو كُلّف غيره. لن تؤلف حكومة دون وزراء لحزب الله. فيبقى السؤال الجوهري، هل ستؤلّف الحكومة؟ أم ندخل مرحلة جديدة لمحاولة زرع الفوضى والفتنة بعد فشل كل المحاولات؟.

في خضمّ هذه المشهدية، يبقى سعد الحريري الإنسان في حكم المجهول. ما حصل معه في السعودية وحده يعرفه جيّدا. عودته الى لبنان لا تعني للكثيرين حرّيته. لا شك أن عودة عائلته معه؛ شرط أساسي للاعتداد بأي قرار يتخذه في سدّة مسؤوليته تجاه لبنان. عودته وعائلته ستفتح آفاقا أخرى على مستوى القرارات السياسية قد تفاجئ الجميع وتحقق فعلا ما أراده "صدمة ايجابية".