بعيدًا عن الأزمة اللبنانيّة الداخليّة المَفتوحة على كلّ الإحتمالات، وفي الوقت الذي شارفت إقليميًا عمليّات ​القضاء​ على تنظيم "داعش" الإرهابي على نهايتها، بدأت تتسرّب إلى الإعلام معلومات أوّليّة عمّا كان تعهّد به الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ عشيّة إنتخابه وبعد ذلك أيضًا، لجهة أنّه قادر على إيجاد إتفاق سلام بين الفلسطينيّين وال​إسرائيل​يّين مبني على أسس جديدة وجريئة ومُختلفة عن السابق. فما هي المعلومات في هذا الصدد، وما علاقة "​حزب الله​" بها؟.

بحسب المَعلومات المُتوفّرة فإنّ مسؤولي الإدارة الأميركيّة ينشطون على غير خطّ إقليمي ودَولي، تحضيرًا لكتابة الخطوط العريضة لإتفاق سلام جديد سيُكشف عنه في الأشهر القليلة المُقبلة في حال سارت الأمور بشكل إيجابي، وهو سيرتكز إلى دعم الرئيس ترامب وإدارته عالميًا، إضافة إلى عدد كبير من الدول الأوروبية والغربيّة، وإلى دعم مصر والسعودية إقليميًا، كلّ من مَوقعه. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ الإدارة الأميركية كانت أرسلت مبعوثًا إلى المنطقة هو جايسون غريفلات، حيث أمضى نحو ثلاثة أسابيع مُتنقلاً بين إجتماع وآخر، ومن مسؤول إسرائيلي إلى آخر فلسطينيّ وبالعكس، ورفع تقاريره النهائية لنائبة مُستشار الأمن القومي في ​الولايات المتحدة الأميركية​ دينا باول التي تعمل على رأس فريق عمل، وبالتعاون مع السفير الأميركي في إسرائيل ​ديفيد فريدمان​، لصياغة الخطوط العريضة للإتفاق المُقترح.

وفي المعلومات أيضًا أنّ مصر بقيادة الرئيس ​عبد الفتاح السيسي​ ستكون مهمّتها الضغط على حركة "حماس" للمُوافقة على الإتفاق المُرتقب، والعمل على تأمين الغطاء السياسي العربي المطلوب لهكذا إتفاق إستراتيجي، مع التذكير أنّ رئيس جهاز الإستخبارات العامة في مصر خالد فوزي كان لعب أخيرًا دورًا حاسمًا في مُصالحة كل من حركتي حماس وفتح، إنطلاقًا من ضرورة تأمين حياة كريمة وآمنة للشعب الفلسطيني، وتقريب وجهات النظر الفلسطينيّة. وعلى خطّ مُواز، يُنتظر أن تتولى المملكة العربيّة السعودية إقناع الرئيس الفلسطيني ​محمود عباس​ بجدوى المُوافقة على الإتفاق، بالتزامن مع التعهّد بتقديم الدعم المالي الكبير لتطوير البنى التحتيّة ولإطلاق سلسلة من المشاريع الإستثمارية الضخمة في المناطق والأراضي التي ستكون تحت السيطرة الفلسطينيّة. وتحرص كل من مصر والسعودية على إقناع المسؤولين الأميركيّين بضرورة أن يكون الإتفاق المُرتقب مُتوازنًا، للتمكّن من تسويقه فلسطينيًا وعربيًا، وللوقوف بوجه أيّ تهجّمات يُمكن أن تطالهما وأن تتهمهما بخيانة القضيّة الفلسطينيّة، علمًا أنّ الإتفاق المُرتقب لن يكون محصورًا بتقاسم الأراضي وبمصير المُستوطنات الفلسطينيّة واللاجئين الفلسطينيّين فحسب، بل سيشمل أمورًا حياتية عدّة مُرتبطة بالمياه والكهرباء وغيرها من المسائل الحيويّة للعيش الكريم.

ويتخوّف المسؤولون الأميركيّون من أن تعمل ​إيران​ على إجهاض الإتفاق المُرتقب بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، تمامًا كما فعلت إثر توقيع "معاهدة أوسلو"(1) بين إسرائيل ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة في واشنطن في 13 أيلول 1993(2)، لذلك تُوجد خطّة ترمي إلى منع القوى المُسلّحة من قبلها من التدخّل لإفشال العمل القائم لتوقيع الإتفاق الجديد. وفي هذا السياق، نجحت الضُغوط الضخمة التي مُورست على ​حركة حماس​ في رضوخها للأمر الواقع بنسبة كبيرة، خاصة وأنّ تموضع حماس إلى جانب الجماعات الإسلاميّة المُتشدّدة في الحرب السورية كان أسفر عن تدهور علاقاتها مع إيران، قبل أنيُسجّل تحسّن ملموس للعلاقات بين الطرفين في المرحلة الأخيرة. وعلى خط مُواز، تُمارس الإدارة الأميركيّة، وكل من السعودية والإمارات أيضًا، ضغوطًا كبيرة لتضييق الخناق على "حزب الله" إقتصاديًا وماليًا. وقد أدّى إلتقاء المصالح الأميركيّة والسعودية على مُواجهة إيران، إلى تحسّن العلاقة بين الطرفين أخيرًا، في ظلّ حرص كبير منهما على أن لا يتمكّن "الحزب" من زعزعة أمن وإستقرار دول المنطقة، وأن لا يتمكّن مُستقبلاً أيضًا من ضرب المُحاولات القائمة حاليًا لكتابة الصيغة النهائية لإتفاق السلام الجديد بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين.

وفي الختام، لا شكّ أنّ لإيران قُدرة كبيرة على إجهاض أي إتفاق مُرتقب، تفوق تلك التي كانت مُتوفّرة لها قبل عقدين ونيّف، لكن في حال عدم إستجابة الداخل الفلسطيني للرغبة الإيرانية التي تُعارض عقائديًا أي إتفاق سلام مع إسرائيل-بغضّ النظر إذا كانت مُتوازنًا ومنصفًا أم لا، فإنّ الورقة الوحيدة التي ستبقى بيدها لضرب الإتفاق المذكور، تتمثّل في "حزب الله". وانطلاقًا من هذا الواقع يُمكن فهم أسباب الضغوط الأميركيّة المُتصاعدة على "الحزب" بهدف منعه من ضرب الإستقرار الإقليمي أوّلاً، وكذلك بهدف قطع الطريق على أي مُحاولة من قبله لعرقلة ونسف إتفاق السلام المُرتقب بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، والذي يتواصل العمل حاليًا على صياغة بنوده.

(1) هو إتفاق سلام وُقّعه في واشنطن كلّ من وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك ​شيمون بيريز​ وأمين سرّ اللجنة التنفيذية في منظّمة التحرير آنذاك أيضًا محمود عباس، وكان عبارة عن إعلان مبادئ بشأن ترتيبات الحُكم الذاتي الإنتقالي.

(2) أمّنت إيران الدعم بالمال والسلاح لكل من حركتي حماس و​الجهاد الإسلامي​ الفلسطينيّتين لإسقاط الإتفاق، مُتسبّبة بإنقسام فلسطيني – فلسطيني حاد، وبجولات متعددة من القتال مع إسرائيل، الأمر الذي أسفر عن تراجع فرص السلام بشكل كبير، خاصة وأنّ عرّاب الإتفاق من الجانب الإسرائيلي أي رئيس الوزراء ​إسحاق رابين​ إغتيل في العام 1995، ثم توفّي عرّاب الإتفاق من الجانب الفلسطيني أي رئيس منظّمة التحرير الفلسطينية ​ياسر عرفات​ في العام 2004.