تتوافر المعطيات عن المسببات العديدة لاشتداد الأزمة الناجمة عن تقديم استقالة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ من خارج ​لبنان​. والمؤشرات كلها تشي بأننا سائرون الى تصعيد قد عُرف كيف ابتدأ ولكن لا يُعرف كيف سينتهي، وهذا أمر طبيعي، ومفهوم، في الظروف الموضوعية القائمة في المنطقة كلها... وهي أحداث استثنائية قلّما تتكرّر في مدى زمني محدود. وكل منها يكفي، بذاته، للرهانات المخيفة.

بداية لا يمكن تجاهل أن الرئيس سعد الحريري دعي الى المملكة في برهة زمنية بالغة الدقة والخطورة، كون توجهه الى المملكة العربية السعودية توافق مع حدث أكثر من إستثنائي، وهو المتمثل في حملة ​مكافحة الفساد​ التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والتي شملت شخصيات بارزة جداً من أمراء ووزراء(...)، بعضهم في المواقع الكبرى، وبعضهم أبناء ملوك، وبعضهم من كبار أثرياء العالم، وبعضهم كان من أصحاب الأدوار التاريخية، وبعضهم كان من أصحاب النفوذ الكبير إن داخل المملكة أو خارجها. وهذا الذي حدث مع هؤلاء (وهو شأن داخلي سعودي لا يمكن الجدال فيه) لم يكن أحد ليتخيله أو ليحلم به لا في اليقظة ولا في المنام.

ثم توافق ذلك كله مع التطورات المتلاحقة في المنطقة، ومن أهمها التسارع في الأعمال الحربية في ​سوريا​، وأبرز ما فيها قاطبة الإعلان الأميركي - الروسي، قبل ثلاثة أيام، بلسان الرئيسين ​دونالد ترامب​ و​فلاديمير بوتين​ عن قرارهما الصارم بضرورة وضع حد للحرب في سوريا لأنّ الحل يجب أن يتم، بالضرورة، على قواعد سلمية وأهمها العودة الى مؤتمر جنيڤ الذي يفسره كل طرف وفق مزاجه واقتناعاته وطبعاً وفق مصالح بلده. والتوصل الى الحل السلمي في سوريا من شأنه أن يغيّر كثيراً في المعادلات في حال حصوله فعلاً، كما من شأنه أن يسقط حسابات ويزيل أوهاماً ويغير في الأحجام، ولا يُعرف ما إذا كان سينعكس (وكيف؟) على مناطق أخرى فيها بؤر مشتعلة.

ومن ثم فإنّ الموقف الأميركي العدائي من ​إيران​ (المتجدد بعد الإتفاق النووي) لا يبدو أنه يترجم على الأرض، بدليل أنّ التهديدات التي تصدر يومياً عن الرئيس ترامب لا تتجاوز مفاعيلها تلك التهديدات التي كانت تصدر عن سلفه ​باراك أوباما​... إذ سرعان ما تفتر حماستها وتخمد نيرانها. خصوصاً وأن «الغضب الترامبي» على إيران لم يلقَ أصداءه المرجوة حتى داخل إدارته (وزير خارجيته تيلرسون على سبيل المثال). ومن باب أولى أنه لم يلقَ أصداءه في ​أوروبا​، التي تعتبر دولها حليفة ​أميركا​ الأولى والأهم، لا بل أعلنت هذه الدول عدم التزامها بالموقف الأميركي، إن من حيث العقوبات على إيران أو من حيث الدعوة الى إسقاط الإتفاقية النووية التي عقدت بين ​طهران​ ومجموعة الـ 5+1.

التطورات تلك ربما تكون قد أسهمت في العنجهية الإيرانية وازدياد تورط طهران في المنطقة وهو ما تعترض عليه المملكة العربية السعودية... وجاءت زيارة ولايتي الى السراي بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير.

ولكن الأمر لا يبدو انه واقف هنا. فالرئيس ​ميشال عون​ يرفض أن يكون إنعكاس ذلك كله قد وقع على الرئيس سعد الحريري، واستطراداً على لبنان. والأزمة، رغم خطورتها، لا تزال في بدايتها. وهي مع تدويلها (عملياً) لامست ذروتها أو كادت.

فهل سقط القول المأثور: «إشتدي أزمة تنفرجي» ليُستبدل بقول بات مرتقباً: «اشتدي أزمة... تنفجري»! اللّه يستر.