المسيح(1)

كلمة المسيح Χριστός وإن أتت كاسم علم إنّما هي بالأساس صفة.

أصل الكلمة عبري ”م ش ي ح“ وتشير إلى الممسوح، و والفعل باليونانيّة χρίω أي أمسح.

في العهد القديم:

درجت العادة عند الوثنيين كما عند ​اليهود​ أن يُمسح (يُمشح) الملوك بالأطياب الممزوجة بالزيت في احتفالات تنصيبهم. ”وأتى رجال يهوذا ومسحوا هناك داود ملكًا على بيت يهوذا“ (٢صم٤:٢).

من هنا كان الملك ”مسيح“ أي ممسوح.

كما كانت تُعتبر الملوكيّة عند الشعوب معطاة من الإله فيصبح الملك بالتالي مسيح الإله، والاعتداء عليه هو الاعتداء على إلهه الذي مسحه.

وكل انتصار ملك على ملك آخر، هو انتصار إله الملك المنتصر على إله الملك الخاسر.

نقرأ في العهد القديم مثلًا كيف داود رفض أن يقتل شاول الملك في الكهف قائلًا لرجاله: ”حاشا لي من قِبل الرّبّ أن أعمل هذا الأمر بسيّدي مسيح الرّبّ فأمد يدي إليه لأنّه مسيح الرّبّ هو“ (١صم٦:٢٤).

من هذا المنطلق نقرأ عند إشعياء النبي أن كورش هو ”مسيحه“ أي مسيح الرّبّ: ”هكذا يقول الرّبّ لمسيحه لكورش …“. (١:٤٥).

حتّى يعقوب مسح نفسه بالزيت ناذرًا نفسه لله وذلك بعد أن استيقظ من حلمه الذي رأى فيه ”سلّمًا منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء، وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها.

وهوذا الرّبّ واقف عليها“ (تك ١٢:٢٨-١٣)، ودعى المكان حيث كان ”بيت إيل“ أي بيت الله. (تك ١٨:٢٨).

أيضًا، عظيم الكهنة كان يُمسح كما حصل مع هارون مثلًا ”وتأخذ دهن المسحة وتسكبه على رأسه وتمسحه.“(خر ٧:٢٩).

صحيح أنّه كانت تُعتبر كرامة الملك من كرامة إلهه المنتصر والحاكم، إلّا أنّه في التدبير الخلاصي أخذت الكرامة منحًا آخر إذ أصبحت بإعلان مشيئة الله في الشعب، لذا نقرأ في المزمور ١٠٥ يقول الرّبّ ”لا تمسوا مسحائي ولا تسيئوا إلى أنبيائي“ (١٥) (أخ٢٢:١٦)، إذ كان مصير الذي يُعلن مشيئة الله أمام الملك السجن أو النفي أو القتل أي شهيد الله.

الرّبّ ​يسوع المسيح​ المنتظر:

وسط هذه التسميات العديدة لأناس ترابيّين مهما علا شأنهم، كان هناك إشارة واضحة منذ القدم لمسيح مختلف، مسيح مخلّص وآبدي.

هذا تحديدًا ما قاله صموئيل النبي للكاهن عالي بسبب فساد ولديه: ”وأقيم لنفسي كاهنًا أمينًا يعمل حسب ما بقلبي ونفسي، وأبني له بيتًا أمينًا فيسير أمام مسيحي كلّ الأيام“. (١ صم٣٥:٢).

هذه الآية تتكلّم عن الرّبّ يسوع المسيح وليس عن أي ملك أرضي، فعبارة كلّ الآيام هي عبارة آبديّة ليس لها لا زمن ولا نهاية.

كما جاء في العهد القديم أيضًا إشارة إلى إضطهاد المسيح فنقرأ مثلاً في المزمور الثاني: ”وتأمر الرؤساء معًا على الرّبّ وعلى مسيحه قائلين: لنقطع قيودهما ولنطرح عنّا ربطهما“ (٢).

في العهد الجديد:

يفتتح متى الإنجيلي إنجيله بذكر المسيح: ”كتاب ميلاد يسوع المسيح“ (١:١)،. هذا ليؤكّد لليهود خاصةً أن المسيح هو الرّبّ يسوع.

يصرخ اندراوس فرحًا ويقول مبتهجًا: ”هذا وجد أوّلاً اخاه سمعان، فقال له:«قد وجدنا مسّيا» الذي تفسيره: المسيح. “ (يو ٤١:١)

تعلن المرأة السامريّة للرّب يسوع المسيح: ”أنا أعلم أن مسيّا، الذي يقال له المسيح، يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء». ويجيبها الرّبّ :«انا الذي اكلمك هو»“ (يو ٢٥:٤).

بطرس الرسول يقوم باعتراف إلهيّ:”أنت هو المسيح ابن الله الحي“ (متى١٦:١٦).

فالمسيح إذًا الذي انتظرته الشعوب (دا ٢٥:٩-٢٦)، تجسّد وصُلب وقام وأقامنا معه.

فالتأكيد واضحٌ في الرسالة إلى العبرانيين في ذكرها للمزمور الخامس والأربعين (٧:٤٥) أن الرّبّ يسوع المسيح هو المقصود ”من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك“ (عب ٧:١).

خلاصة:

إذا كان لقب المسيح في العهد القديم جمع الملوك والأنبياء والكهنة، فالرّب يسوع المسيح جمع بشخصه هذه الصفات الثلاث كونه الله المتجسّد.

فهو:

- ملك الملوك، وملكه آبديّ لا يفنى لأنّه غير مصنوع بيد إنسان.

- النبي الأعظم، بمعنى الذي يعلن كلمة الحق، ويسوع هو الكلمة والحق.

- الكاهن الأعظم والأوّل، وهو الذي قدّم نفسه ذبيحةً، فكان المقدّم والمقدّم.

وعندما قرأ الرّبّ يسوع في الناصرة في سفر إشعيا أكّد بأنّه المسيح:

”روح الرّبّ عليّ لأنّه مسحني لأبشّر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحريّة، وأكرز بسنة الرّبّ المقبولة“، طوى السفر وقال: ”اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم» (لو١٦:٤-٢٢).

فالمسيح مخلّص الشهوب هو الرّبّ يسوع المسيح الذي فيه تحقّق الوعد الذي أُعطي لحواء:”وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك“ (تك١٥:٣).

وقد أحسن بولس الرسول تفسير ذلك خير تفسير:”وأمّا المواعيد فقيلت في ابراهيم وفي نسله. لا يقول:«وفي الأنسال» كأنّه عن كثيرين، بل كأنّه عن واحد: «وفي نسلك» الذي هو المسيح. (غل١٦:٣).

فأمام الكثير من شيع اليهود ورؤسائهم الذين أرادوا المسيح ملكًا يرفعهم فوق كلّ الشعوب،

وأمام قلّة مثل سمعان الشيخ وحنّة النبيّة الذين أدركوا سمو الأمر،

وأمام التلامذة الذين سألوا الرّبّ بعد الصعود وقبل العنصرة :”هل في هذا الوقت ترد الملك لإسرائيل“ (أع ٦:٢)، نصلّي بحرارة وتوبة أن نكون حقًا مسيحيين.

*المركز الأرثوذكسي الأنطاكي للإعلام