التلطي وراء الاصبع لم يعد يجدي. ​لبنان​ في واحدة من أكثر أزماته عمقاً وخطورة. وهل نبالغ إذا قلنا إنها أزمة مصيرية؟ وهل نبالغ أكثر إذا قلنا إنها أزمة وجود؟! في تقديرنا أن لا مبالغة في القولين. فالواقع الذي نعيشه، نحن اللبنانيين، على أعصابنا في كل مناسبة، وفي كل مسألة، وفي كل قضية (...) هذا الواقع «يقول» لنا بالفم المليان: أنتم ربيبو الأزمات وأبناؤها أيضاً.

وهذا الواقع المعيوش ليس جديداً، إلاّ انه بات (في الحقبة الأخيرة) متعاظماً في بيان تصاعدي يكاد لا يقف عند حدود:

فهل نحن قادرون على إنتخاب رئيس للجمهورية في ظروف طبيعية؟

وهل نحن قادرون على تشكيل الحكومة في وضع سويّ؟

وهل نحن قادرون على إتخاذ موقف واحد من دون أن نخاف ردود الفعل عليه من داخل وخارج؟!.

وهل نحن قادرون على أن يستقيل رئيس حكومتنا كما يستقيل رؤساء الحكومات وسائر المسؤولين الكبار في مختلف أنحاء العالم؟

وهل نحن قادرون على التعامل مع الاستقالة كما يتعاملون، هنا وهناك وهنالك، مهما إختلفت الأنظمة والبلدان؟

إننا في مأزق.

وتقتضي مصلحة الوطن، والحقيقة، وحق المواطن في المعرفة أن نعترف بأن نظامنا عاجز عن تطوير ذاته ومواكبة الزمن!

كما يجب الإعتراف بأنّ ​إتفاق الطائف​ عجز عن إيجاد أي حل لأي مشكلة. والمواطن لا يهمه ما إذا كانت المسؤولية تقع على النصوص أو على التنفيذ. سيّان بالنسبة اليه. فهو ليس خبيراً، ولا يفترض به أن يكون خبيراً في الدساتير والأنظمة. هو فقط معنيّ بأن يعيش حياة مواطنية طبيعية لم يزل يفتقدها منذ مطلع عقد تسعينات القرن العشرين الماضي وحتى اليوم!

ويقتضي الإنصاف الإعتراف لهذا المواطن بأنه تحمّل ويتحمل ما لا يتحمله المواطن في أي بلد من بلدان المعمورة. زمن الوصاية فرضوا عليه ممثليه في النيابة، ووزراءه في السلطة التنفيذية، ورؤساءه في رأس الهرم. وما بعد زمن الوصاية الذي إنتهى حضوره العسكري المباشر بعد إستشهاد الرئيس ​رفيق الحريري​ ظهر المسؤولون وكأنهم أيتام على موائد اللئام... إذ كانوا قد اعتادوا أن يرجعوا الى الوصيّ في الصغيرة والكبيرة، فوجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام المسؤولية... وسقطوا في الإمتحان... فبالإضافة الى رسوبهم في الإمتحان حوّلوا البلد الى مزرعة لم تعرف مثيلاً لها جمهوريات الموز الشهيرة!

(...) واليوم واللبنانيون جميعاً ينتظرون بلهفة عودة الرئيس ​سعد الحريري​ يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً من نتائج أي خطوة ستُتخذ، أكانت إستقالة (وهي الأرجح) أو رجوعاً عنها... وفي الحالين وما يترتب عليهما من نتائج تبدو الإستقالة أو الرجوع عنها وكأن الخارج معنيّ بها أكثر من الداخل ربّـما.

ومهما كان الخيار فالأمور لن تكون «ظابطة» ... لذلك سمعنا في الأيام القليلة الماضية دعوات الى «المؤتمر الوطني» في مقابل دعوات الى «المؤتمر التأسيسي» ... والمؤتمران يعنيان أنّ البلد «مش ماشي»...

ولكن أين هم الأبطال الوطنيون الذين يمكن أن يتخذوا القرارات التاريخية؟

وللمناسة ألم يكن تاريخياً قرار الرئيس سعد الحريري بدعم ترشح الرئيس ​ميشال عون​ للرئاسة؟! ثم أليس الأجدى البحث في الأسباب الداخلية والخارجية لإسقاط التسوية والعمل على تداركها قبل المؤتمر الوطني والمؤتمر التأسيسي؟

ولهذا البحث صلة.