في ظل انشغال الداخل اللبناني سياسياً وشعبياً بالأحداث والمتغيّرات الطارئة، وعلى وقع الأزمات التي تعصف بالبلد، أثبتت الأجهزة الأمنية مرّة جديدة أنّها العين الساهرة على حفظ الأمن والاستقرار، والقبضة المرابضة بالمرصاد لشبكات التجسّس الإسرائيلية والخلايا الإرهابية.

فقد عادت ملفات التعامل مع العدو الإسرائيلي لتطفو على السطح، مع إعلان الأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية عن توقيف المزيد من أفراد هذه الشبكات، إذ أوقفت المديرية العامة ل​أمن الدولة​ أمس الأوّل (الخميس) الكاتب والممثل المسرحي زياد أحمد عيتاني (مواليد بيروت 1975) بتهمة التعامل مع "​الموساد​"، الذي كلّفه بمراقبة ورصد شخصيات رسمية وسياسية وحزبية، ما يشير إلى أنّ ذلك مقدّمة لتكليف شبكات أخرى بالإغتيال، بهدف إثارة البلبلة والفتنة في البلاد "الواقفة ع شوار".

وأكدت مصادر مطلعة لـ"اللـواء" أنّ زياد اعترف بعد توقيفه، بالتعامل مع "الموساد" منذ سنتين، عبر اجتماعات عدّة عقدها مع عدد من الضبّاط الإسرائيليين في أكثر من مكان وتوقيت، خاصة في تركيا، حيث جرى وصله بـ"المشغّل" وهي ضابط إمرأة، تتخذ من تركيا مسرحاً لنشاطها، وجرى تكليفه بالتقرّب وجمع المعلومات عن وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​ والوزير السابق ​عبد الرحيم مراد​، وعدد من الوزراء والنواب والسياسيين، حيث أصبح على تردّد دائم عليهم، كما التقرّب من خلال معاونين لهم من أجل الحصول على أكبر قدر من المعلومات، فغدا تواجده لديهم طبيعياً لتكرار ذلك، وهو ما يرجّح أنّ

إحدى الشبكات الأخرى ستتولّى مهمة التنفيذ، كما درجت العادة بعدم معرفة مجموعات التجسّس لبعضها البعض، حيث منها المراقب والمنفّذ، ومَنْ يتولّى "البريد الميت".

وكشفت المصادر أيضاً عن أنّ زياد قبض مبالغ ضخمة من أجل تشكيل "لوبي" لبناني من المثقفين للترويج وتهيئة الأجواء لتمرير مبدأ التطبيع مع الكيان الصهيوني.

زياد بعد جنى

ويأتي توقيف ​زياد عيتاني​ بعد أيام من توقيف "​شعبة المعلومات​" في ​الأمن العام​ لـ جنى بشير أبو دياب (مواليد الجاهلية 1986) بجرم التعامل مع "الموساد"، حيث استغل نشاطها الإجتماعي برئاسة جمعية "معاً إلى ​فلسطين​"، فتمَّ تكليفها بجمع معلومات عن شخصيات لبنانية وفصائل فلسطينية، كانت تزوّد بها "الموساد"، حيث تمَّ تجنيدها من خلال الضابط سليم الصفدي، وقد أحالها الأمن العام على مفوّض الحكومة لدى "​المحكمة العسكرية​ الدائمة" في بيروت القاضي بيتر جرمانوس.

ويُلاحظ أنّ العدو يعمل إلى اختيار عملائه ذكوراً أو إناثاً، من مجالات وحقول متنوّعة، كما من جنسيات ومناطق متعدّدة، وإنْ كان التركيز في هذه المرحلة على نشطاء ووجوه معروفة لسهولة تنقلهم وتحرّكهم، ما يُتيح لهم الحصول على المعلومات دون إثارة الشبهات، علماً بأنّ الأهداف تكاد تكون ذاتها التي كان يقوم بها العملاء الموقوفون، لكن مع التركيز ليس فقط على اغتيال كوادر مقاوِمَة، بل شخصيات يؤدي اغتيالها إلى الغاية المرجّوة، وهي إثارة الفتن، خاصة أنّ المستهدفين كالوزير المشنوق والوزير السابق مراد من خطين سياسيين متباينين.

لكن الأخطر هو تكليف زياد بمهمة "التشبيك" مع المثقفين للترويج للتطبيع مع العدو، بعدما كان مع جنى عبر الجمعية الناشطة في المجال الفلسطيني، وقبلهما توقيف الأمن العام للعميل ​عباس سلامة​ المكلف بالتوغّل داخل ​الحراك المدني​ اللبناني.

تفاصيل السقوط

وقد وقع المخرج والممثّل المسرحي زياد عيتاني في فخ التعامل، ولم يكن ذلك سقوطاً على خشبة المسرح تمثيلياً، بل حقيقة اعترف بها، حيث أوقف من قِبل جهاز أمن الدولة، بعد رصده ومتابعته داخل لبنان وخارجه في ظل توافر معلومات عن تواصله مع "الموساد" وتزويده بالمعلومات التي كان قد كلّفه جمعها، إذ كان مخطّطاً أنْ تصل المشغِّلة الإسرائيلية من تركيا إلى بيروت، عبر "مطار الرئيس الشهيد ​رفيق الحريري​ الدولي"، الأسبوع المقبل، مستخدمة جواز سفر أجنبياً تحمله، على أنْ تنزل في أحد الفنادق بعد الحجز بإسمها فيه، من ثم تقوم برفقة زياد بجولة على الأماكن التي كان قد رصدها، تمهيداً لتكليف المنفّذين بخطوات مخطّط الإغتيال.

وقد أبقى جهاز أمن الدولة توقيف زياد والتحقّق معه طَيّ الكتمان، وبسرية تامة، من أجل الحفاظ على سير التحقيق، وإعداد كمين لصيد "المشغِّلة" الإسرائيلية التي لم تصل.

وأعلن أصدقاء زياد عن توقيفه، وهو سرعان ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، ثم المواقع الإلكترونية، والتلفزيونات، ما شكّل صدمة كبيرة.

بيان أمن الدولة

وصدر عن المديرية العامة لأمن الدولة – قسم الإعلام والتّوجيه والعلاقات العامّة بيان جاء فيه:

"بتاريخ 23/11/2017، تمكنت المديرية العامة لأمن الدولة، من إنجاز عملية نوعية إستباقية في مجال التجسس المضاد، وأوقفت اللبناني المدعو زياد أحمد عيتاني، وهو ممثل ومخرج وكاتب مسرحي، من مواليد بيروت عام 1975، بجرم التخابر والتواصل والتعامل مع العدو الإسرائيلي، وقامت وحدة متخصصة من أمن الدولة ، بعد الرصد والمتابعة والاستقصاءات على مدار شهور داخل الأراضي اللبنانية وخارجها، وبتوجيهات وأوامر مباشرة من المدير العام ​اللواء طوني صليبا​، بتثبيت الجرم فعلياً

على المشتبه به زياد عيتاني.

وبالتحقيق معه، وبمواجهته بالأدلة والبراهين، إعترف بما نسب إليه، وأقر بالمهام التي كلف بتنفيذها في لبنان، ونذكر بعضاً منها:

1- رصد مجموعة من الشخصّيات السياسّية رفيعة المستوى، وتوطيد العلاقات مع معاونيهم المقرّبين، بغية الاستحصال منهم على أكبر كمّ من التفاصيل المتعلّقة بحياتهم ووظائفهم والتركيز على تحركاتهم.

2- تزويدهم بمعلومات موسعة عن شخصيتين سياسيتين بارزتين، سيتم الكشف عن هويتهما في بياناتنا اللاحقة.

3- العمل على تأسيس نواة لبنانية تمهّد لتمرير مبدأ التطبيع مع إسرائيل، والترويج للفكر الصهيوني بين المثقفين.

4- تزويدهم بتقارير حول ردود أفعال الشارع اللبناني بجميع أطيافه بعد التطورات السياسية التي طرأَت خلال الأسبوعين الفائتين على الساحة اللبنانية.

وتتابع المديرية العامة لأمن الدولة ملف الموقوف بإشراف القضاء المختص، وسوف يتم الكشف للرأي العام اللبناني مزيداً من التفاصيل في حينه".

من جهتها، أوضحت المستشارة الإعلامية لأمن الدولة الزميلة ريما صيرفي أنّ المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا قد أبلغ رئيسي الجمهورية العماد ​ميشال عون​ والحكومة ​سعد الحريري​ وعدداً من المسؤولين المعنيين باعترافات الموقوف عيتاني، وسيكشف التفاصيل في مؤتمر صحفي يعقده مطلع الأسبوع المقبل.