فرضت كل مرحلة من مراحل الصراع الميداني في سوريا ترتيب أوراق المفاوضات السياسية من جنيف إلى آستانة ومن ثم سوتشي. لكل مرحلة أدواتها وأسلوبها من العسكري الى السياسي، حالياً تدخل الدول المتصارعة بشكل مباشر على الساحة، من الأميركي إلى التركي فالروسي والايراني، لم يعد هناك من ستار بعد انتهاء تنظيم "داعش"، الأميركي والتركي زجّا بقواتهما داخل الأراضي السورية بذريعة ​محاربة الارهاب​، وها هو الأميركي يعلن عدم انسحابه رغم انتهاء "داعش"، في حين أن التركي يتعاون مع جبهة "النصرة" للحفاظ على مواقعه وجنوده بسلام.

خلال الأيام المقبلة، تشهد جنيف وسوتشي حواراً بين السوريين لا يختلف عما سبقه أو ما بينهما سوى في الرعاية الدولية والتقدم بالمباحثات، وبلوغها إلى الشق السياسي بعد الوصول إلى نهايات المعركة العسكرية على الأرض، في المبدأ هناك اجماع دولي على وجود فرصة للحل، لا بل هناك تأكيد على أن الحل أصبح متفقاً عليه لكن السؤال لمصلحة من؟ هل هو لمصلحة الشعب السوري أم الدول المتصارعة؟.

تؤكد مصادر سورية رفيعة، عبر "النشرة"، أن فرصة الحل حقيقية للشعب السوري لا للدول التي رعت ​الإرهاب​، التي خسرت وأصبح دورها فقط منع أو تأخير الوصول الى حل، وتشير المصادر الى أن ممانعة تلك الدول للوصول الى حل تهدف إلى تحسين شروطها السياسية بعد خسارتها عسكرياُ، وتضيف: "لا يعني ذلك أننا عدنا الى نقطة الصفر، فالحل أصبح في مرحلة المخاض بعد أن تم الإتفاق عليه".

بالنسبة لدمشق، فإن سوريا لاتزال في حالة الحرب، وإن لم تكن بالضرورة في الميدان، بل هي تأخد بعداً آخراً لا يقل شراسة على المستوى السياسي، فالتركي يريد حصته ويصارع في إدلب لتوطيد إدارة ذاتية يرعاها مع جبهة "تحرير الشام"، بمواجهة حكومة الائتلاف الموقتة المدعومة من ​السعودية​، ومقابل ادارة ادلب يحجز حصته في التسوية.

المعركة الأكبر والأصعب هي مع الأميركي، الذي دخل سوريا بسبب فشل أدواته على الأرض، وهو يعبّر بوضوح عن رغبته في البقاء بالتنف ومناطق سيطرة "​قوات سوريا الديمقراطية​". ويتابع المصدر السوري الرفيع، لـ"النشرة"، أن الأميركي كان أقوى عندما كان خارج سوريا، فهو حالياً يتواجد بشكل غير شرعي وغير فعال في العملية السياسية، ولا ينكر المصدر القلق من هذا التواجد حالياً، لكنه يقول: "لا يخيفنا على المدى البعيد"، فالمعركة السياسية المقبلة تعري وجوده، وحتى الآن لم يأخذ شيئا في السياسة.

بالنسبة إلى السوريين، جنيف فشل ولم يقدم شيئا سوى جلسات للحوار والحديث عن الحل، في حين أن التجربة الروسية في آستانة أثبتت جدواها في محاربة الارهاب، حيث تريد موسكو من سوتشي تحريك المياه الراكدة، والأميركي والسعودي يقاومان لإنعاش جنيف والبقاء ضمن الحل، والا فالقادم سيكون صعباً على المجموعات المسلحة.

عمليا استانة أوصلت الروسي لإطلاق مفاوضات سوتشي، ومناطق خفض التوتر هي تجربة فقط في اطار محاربة الإرهاب، والقيادة السورية وافقت على المضي بآستانة ضمن مصلحتها، وسلم الأولويات محاربة "داعش" وانهائه، ومن ثم تقييم مناطق خفض التوتر، اذ تؤكد القيادة السورية بشكل جازم وحاسم أن الجيش سيصل إلى كافة الأراضي السورية، سواء كان ذلك عبر اتفاق سياسي أو بقتال المجموعات المسلحة، وهي وافقت على مهلة ستة أشهر لاختبار مناطق خفض التصعيد ومدى محاربة المجموعات المسلحة للارهابيين، ولذلك يأتي سوتشي لفتح الباب أمام النقاشات الجدية حول ​الدستور السوري​. وتؤكد المصادر وجود عشرات العناوين لحلّ الأزمة، من بينها الدستور الذي هو أساس في الحل السياسي، وتشدد المصادر على أنه لن يكون هناك أي قرار يتخذ بشأن الدستور في سوتشي أو جنيف، بل هي نقاشات بين السوريين وسيتم الرجوع اليهم للموافقة أو الرفض.

في المحصّلة، المعركة المقبلة، وفقاً للمصادر، ستتجه نحو "​جبهة النصرة​" وربما يصل الجيش إلى ادلب، أما بالنسبة إلى التمييز بين جنيف وسوتشي يفضل السوريون الرعاية الروسية، وبوجود الحليفين الروسي والايراني فلا خوف على المصلحة السورية.