من حقّ مُعلّمي وأساتذة ​المدارس الخاصة​ أن ينالوا رواتب مُوازية لمُعلّمي وأساتذة ​القطاع العام​، وألا يكون هناك فوارق على مُستوى الحُقوق والدرجات والمعاشات، إلخ. لكنّ مُشكلتهم ليست مع ​الطلاب​ والتلاميذ ولا مع أهالي هؤلاء الذين من حقّهم أيضًا أن تكون رواتبهم مُوازية لكل من إستفاد من ​سلسلة الرتب والرواتب​، بل مع جهات أخرى وفي طليعتها الدولة ومُؤسّساتها. فهل من حقّ مُعلّمي وأساتذة المدارس الخاصة إعلان الإضرابات التحذيريّة المُتكرّرة والتلويح بالإضراب المفتوح؟.

بحسب القوانين الخاصة ب​العمل النقابي​، الإضراب عن العمل حق مشروع من الناحية النظريّة ضمن أطر مُحدّدة، لكن عندما يتحوّل هذا الأمر إلى ضغط معنوي وعملاني في غير محلّه، وتحديدًا على أهالي الطلاب والتلاميذ، بحجّة العمل على تحصيل "الحُقوق"، يُصبح الأمر عرضة لأكثر من وجهة نظر. فعلى نقابة المُعلّمين في المدارس الخاصة أن تعلم أنّها تتسبّب بأضرار بالغة على أكثر من صعيد، وهذه أبرزها:

أوّلاً: التسبّب ببلبلة على مُستوى ​العام الدراسي​ ككل، لجهة عدم إنتظام المنهاج التعليمي، وإخراج الطلاب والتلاميذ من جوّ التركيز المطلوب للتحصيل العلمي، ما يؤدّي تلقائيًا إلى تراجع كبير في أدائهم وفي مُستوى تحصيلهم.

ثانيًا: التسبّب بمشاكل لا تُعدّ ولا تُحصى للأهالي خلال أيّام الإضرابات، بسبب تواجد الأولاد في المنازل خارج أيّام العطل الرسميّة، ما يعني عدم قُدرة الأهالي على التواجد معهم إلا في حال التضحية بأيام العطل الخاصة المعدودة الممنوحة لهم، كلّ حسب طبيعة عمله، وذلك بالنسبة لكثير من العائلات التي لا تملك خيارات بديلة لرعاية أولادها.

ثالثًا: التسبّب بمشاكل لاحقة لا تُعدّ ولا تُحصى بالنسبة إلى الأهالي، حيث تعتزم العديد من إدارات المدارس تعويض أيّام الإضرابات بفتح أبواب المدارس خلال عطلة عيد الميلاد وغيرها من العطل الرسميّة والدراسيّة المُقبلة، في حال تكرّرت أيّام التعطيل المفروضة بواقع الإضرابات، وُصولاً إلى إحتمال تمديد العام الدراسي خلال عطلة الصيف، ما يعني عمليًا إرغام الأهل على إستنفاذ عطلهم خلال العام الدراسي، ثم إرغامهم على التعامل مع أيّام العطل المُفترضة وحتى مع فصل الصيف كأيام دراسيّة عادية، مع كل ما يعنيه هذا الأمر من مُستلزمات مرافقة، بدءًا من الإستفاقة الباكرة وُصولاً إلى التدريس بعد الظهر وليلاً، بدلاً من الإستفادة من أيّام راحة وترفيه!

ومن الضروري الإشارة إلى أنّ إدارات المدارس الخاصة، وبخاصة الكاثوليكيّة منها، كانت تتعاطى في السابق مع الإضرابات وكأنّها لم تكن، حيث تُوجد عشرات الأمثلة من السنوات الماضية التي لا تلتزم فيها هذه الإدارات بأي إضرابات للأساتذة، بينما المُلاحظ هذا العام أنّها نفسها تُسارع إلى إغلاق أبواب مدارسها عند أوّل دعوة للإضراب من جانب المُعلّمين والأساتذة، وذلك بهدف الضغط على الأهل، وإيصال رسالة قاسية لهم، مفادها بأنّه ما لم يُوافقوا على "زيادات" الأقساط، فإنّ العام الدراسي سيكون مُعرّضًا لخطر شديد، وأولادهم لن يحظوا بعام دراسي طبيعي أو كامل. ويُمكن الحديث عن تواطؤ أو عن إلتقاء مصالح بين ضغط المعلّمين والأساتذة على الأهل، وبين ضغط الإدارات على الأهل أيضًا، للوُصول إلى رفع الأقساط في نهاية المطاف. وبالتالي، وبدلاً من أن يكون ضغط المُعلّمين والأساتذة والإدارات في القطاع التعليمي الخاص مُوجّهًا نحو الدولة، المُسبّبة الأساسيّة لهذه الأزمة، لحملها على مُعالجة قراراتها العشوائية وقيامها بإقرار سلسلة الرتب والرواتب لفئات مُحدّدة من المُجتمع من دون مراعاة أوضاع الفئات الأخرى من المُجتمع نفسه، تتمّ مُمارسة الضغوط على أهالي الطلاب والتلاميذ الذين هم في النهاية الضحيّة الكبرى لما يحصل.

في الخلاصة، وما لم تتخذ لجان الأهل في المدارس الخاصة قرارًا مُوحّدًا وشاملاً بضرورة ألا يدفع الأهل أي أقساط مدرسية في حال إستمرار الإضرابات، أو في حال رفع هذه الأقساط بشكل عشوائي وغير مبني على أي دراسات ملموسة وعلى أي بيانات واضحة وشفّافة، فإنّ الأهل وأولادهم في المدارس الخاصة سيقعون تحت وطأة الإضرابات وتضييع الوقت وهدر أيّام العطل الرسمية والخاصة، ثم سيكونوا مُضطرّين في نهاية المطاف لدفع الزيادات على ​الأقساط المدرسية​، تحت وطأة التهديد بفضح الأولاد الذين لا يُسدّد أهاليهم الأقساط أمام زملائهم، أو بحرمانهم من دفاتر علاماتهم المدرسيّة الرسميّة في نهاية العام.

ناجي س. البستاني